أسبوعان على تجاوز القرار، الذي أعلن نتنياهو بإصرار كبير، أنه سيقوم بالإعلان عن ضمّ أراضٍ في الضفة الفلسطينية، جعله ذلك يطأطئ الرأس، ولا يعود للحديث عن ذلك إلاّ لماماً.
الساحر يكابر، وينشر الاتهامات في كل اتجاه عن الفشل الذي أصابه، ولكنه يستمر في المعاندة.
ثمة أسباب عديدة لفشل نتنياهو حتى الآن في تنفيذ ما يؤمن بأنه إنجاز تاريخي له وللحركة الصهيونية وإسرائيل، لعلّ أهمها سببان؛ أولاً، التريث الأميركي، وثانياً، التعارضات داخل الحكومة.
من الواضح أن الإدارة الأميركية مترددة في منح إسرائيل الضوء الأخضر، بسبب ضغوط خارجية، وانشغالات داخلية، وتزايد المعارضة في صفوف الكونغرس.
الإدارة الأميركية منشغلة في مواجهة «كورونا» والآثار الاقتصادية العميقة التي رفعت مستوى البطالة إلى نحو 14%، وكبّدت الاقتصاد الأميركي خسائر هائلة.
وعلى الصعيد الخارجي تنشغل الإدارة الأميركية في مواجهة تجارية مع الصين بالإضافة إلى إيران، وتتخذ المزيد من العقوبات، التي لا تؤثر فقط على هاتين الدولتين وإنما تؤثر، أيضاً، على الولايات المتحدة ذاتها.
ثمة رؤيتان تتنازعان الموقف الأميركي، يعبر عن إحداهما السفير الأميركي المستوطن في إسرائيل ديفيد فريدمان، والأخرى يعبّر عنها جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب وأكثر من اشتغل في هذا الملف.
يستعجل فريدمان ويتحمّس لأن تعطي الإدارة الأميركية الضوء الأخضر لإسرائيل كي تقوم بمباشرة ضمّ أراضٍ في الضفة دفعة واحدة، أو بالتدريج فيما يرى كوشنر أن الضمّ أحادي الجانب، قد ينطوي على محاذير كثيرة ليست في مصلحة إسرائيل.
في إسرائيل تتزايد المعارضة لقرار الضمّ في الحكومة وخارجها، وقد بدأت المعارضة تعبّر عن ذلك من خلال التظاهر، وآخرها يوم الثلاثاء أمام مقر الحكومة في القدس حيث رفع المتظاهرون شعارات تطالب برحيل نتنياهو عن الحكومة.
عوامل عديدة تتضافر في محاصرة نتنياهو، الذي بدأت تتراجع شعبيته، ولم يعد يهدد بحل الحكومة والذهاب إلى انتخابات رابعة كان يعتقد بأنها ـ وحسب استطلاعات للرأي ـ ستؤدي إلى فوز اليمين بشكل كاسح يمكنه من تشكيل حكومة من دون «أزرق ـ أبيض»، الذي سيختفي من المشهد.
أزمة في الحكومة على خلفية الحوار حول قرار الضمّ، رغم أن الكل متفق من حيث المبدأ على الوجهة العامة وأزمة صامتة بين نتنياهو والأجهزة الأمنية والجيش حول استهتار نتنياهو بما يمكن أن يترتب من تبعات أمنية وسياسية لقرار الضم.
أزمة أخرى يظهر فيها نتنياهو ضعيفاً إزاء السياسة المتبعة لمواجهة جائحة «كورونا»، حيث تقترب أعداد المصابين إلى حافّة الخطر من فقدان السيطرة.
وفوق كل ذلك الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة «كورونا»، وضعف قدرة الحكومة على احتواء الفقر والبطالة لدى فئات واسعة، والخسائر التي تتكبدها الشركات والتي لا تنقذها مليارات الدولارات التي يقول نتنياهو إنه سيخصصها لاحتواء الجائحة وتمكين المنشآت الاقتصادية والتجارية.
في هذا السياق لا يمكن لأحد أن ينكر أو يتجاهل أثر السياسة الفلسطينية النشطة في محاصرة إسرائيل، ونجاحها في استنهاض حملة دولية واسعة، رافضة ومقاومة لقرار وسياسة الضمّ بما في ذلك الكثير من حلفاء وأصدقاء إسرائيل، وتهديد الاتحاد الأوروبي باتخاذ عقوبات في حال أقدمت حكومة نتنياهو على تنفيذ قرار الضمّ.
لقد منحت السياسة الإسرائيلية التوسعية، وعنوانها الجديد الضمّ، الفلسطينيين فرصة جيدة، لإعادة فرض القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، ورفع مستوى وعي المجتمع الدولي إزاء حقائق الصراع، وتوسيع دائرة التضامن مع الشعب الفلسطيني.
لقد شكّل الصراع حول قرار الضمّ بروفة مهمة، لمدى قدرة الفلسطينيين على النجاح حين يوظفون على نحو جيد ما يمتلكون من أوراق قوة، رغم أنهم حتى الآن لم ينجحوا في معالجة الأزمة الأهمّ والأخطر وهي موضوع الانقسام.
إن هذا النجاح من شأنه أن يولّد حالة من الضغط الأشد والمسؤولية الأكبر على أطراف الانقسام الفلسطيني، حيث إن إنهاء الانقسام، سيشكل الضربة الأشد إيلاماً لنتنياهو وإسرائيل.
في كل الأحوال فإنه من غير المنطقي، أن يعتقد أحد أن هذا الإنجاز الذي يتحقق يمكن أن يثني نتنياهو عن تنفيذ قرار الضمّ، أو أن يراهن أحد على أن الإدارة الأميركية الراهنة ستظل على موقفها الراهن.
المعركة لا تزال مفتوحة، ومن المرجّح أن لا يمضي هذا العام، قبل أن ينفّذ نتنياهو قرار الضمّ على الأقل لبعض أهمّ الكتل الاستيطانية، إذ ليس من الحكمة تجاهل أن إسرائيل لا تقيم أي وزن أو اهتمام، لأي معارضة دولية إن كان في الأمم المتحدة أو خارجها طالما أنها تستقوي بالولايات المتحدة التي يقف على رأسها أسوأ ما مرّ في تاريخها من الرئيس ترامب.
الفلسطينيون في حالة دفاع هجومي، ومن المناسب عدم التوقف، ومواصلة تفعيل ما لديهم من أوراق قوّة، ومنها الآن تفعيل دور الجنائية الدولية، التي توشك على التحرُّك الميداني.
الأيام