الكوفية:لعل المؤسسة الرسمية تجد واجبا عليها، ان تشكر القدر على حدوث "كارثة بيروت" التي خطفت أنظار البشرية عن غيرها من تطورت، كان لها أن تصبح "فضيحة إعلامية كبرى"، تلك التي جرت خلال أيام عيد الأضحى، حيث ذهب عشرات آلاف من أبناء الضفة الى داخل إسرائيل، عبر ما عرف بثغرات في الجدار الفاصل.
الحدث كان مشهدا شاذا بكل ما يمكن القول، وهي المرة الأولى منذ قيام السلطة الوطنية عام 1994، مشاهدة مظهر غير وطني لا يمكن التعامل معه كحدث وانتهى الأمر، بل يجب أن يكون الموضوع الأبرز على جدول الأعمال الرسمي والحزبي الفلسطيني، وان لا تمر مروا عابرا، كونها حالة انقلابية على علاقة الانتماء الوطني العام.
ورغم أن الحدث تم في ظروف إعلامية مساعدة لعدم تحولها الى فضيحة فلسطينية، لكنها تسللت الى البعض منها، ولم يترك إعلام دولة الاحتلال الفرصة تمر دون ان يصنع منها "رواية’ تخدم مخططه السياسي الخاص، لبناء جدار فصل جديد بين السلطة الفلسطينية بكل مكوناتها، وبين الشعب المفترض انه قوة الردع في مواجهة مشروع التهويد.
وبعيدا عن محاولة العدو القومي استغلال الحدث الأخطر منذ سنوات، فما كان مؤشرا سياسيا خطيرا جدا، ليس من حيث البعد الاقتصادي الذي تعامل بعه البعض وكأنه العامل الأساسي في ثغرة الجدار، بل في كشف "ثغرة" أخطر في العلاقة بين المواطن وسلطته أي كان الموقف منها، تأييدا بقناعة أو إكراها، أو من يعارضها سياسيا أو سلوكيا، فما كان هو رسالة "فك ارتباط علاقة" المواطن بالممثل الكياني.
رسالة الثغرة، أن المواجهة ضد المشروع التهويدي لا صدى له ابدا عند الغالبية السكانية، ما يكشف هزالة التحضير التي سادت جعجعتها أكثر بكثير من حقيقتها، وأكد حدث الثغرة، ان مسميات الفصائل بمختلفها، ليست بذي صلة حقيقية بالمواطن، وأن العلاقة ليس مبينة ضمن رؤية كفاحية بل حالة استغلال لا أكثر.
ثغرة الجدار، أعلنت أن دولة الاحتلال سمحت بـ "التسلل" العلني لآلاف من الفلسطينيين بالعبور لتؤكد أن "الأمن" يصبح في خدمة السياسة في نقطة ما، حيث اسقطت معاييرها الأمنية التي تقوم بها في الضفة كي تسمح بظاهرة تراها سلاحا مضافا لها وليس عليها.
الحدث يجب أن يعيد ترتيب أولويات القيادة الرسمية، والبحث عن مسببات الذي كان، بعيدا عن ثقافة أمنية عاجزة وفقيرة، تسيطر على كل فعل ليس على هوى أهل الحكم، وبدلا عنه التدقيق في مسببات فك الارتباط الذي بدا يتسلل الى المشهد السياسي الفلسطيني، دون أي ارتعاش، بل وبعلانية مستفزة الى الحجر الذي افتقد حامله لرجم عدوه الوطني.
التدقيق بأن العلاقة بين المواطن والسلطة بكل أجهزتها، ليست علاقة حية ولا تبشر بخير وطني، بل عكسها تماما، فقد يجد القائمون على السلطة في لحظة ما ان الذهاب الى العدو يصبح ظاهرة يومية، لكسر كل "الجدر" الوطنية.
ما حدث من ثغرة هو مواز تماما للبعض اللبناني الذي طالب بعودة الانتداب خيرا من سلطة لم تعد له أو منه ولا تمثله، رغم كل الذرائعية الفارغة التي حاول بعضهم تسخيف اللجوء للعدو حلا...ولو فتح الباب لأهل قطاع غزة الخروج برا أو بحرا سنرى عجب العجاب.
كي لا تتحول حركة عبور الثغرة الى ظاهرة، وجب كسر تقاليد البلادة السياسية السائدة في التعامل مع المواطن، وإعادة النظر جذريا في حقيقة الارتباط وآليته، ودون ذلك "الانتدابية" على الباب الفلسطيني.
ملاحظة: أصرت حكومة حماس أن تؤكد "استقلاليتها" عن السلطة المركزية بقرار عودة الطلبة الى مدارسهم رغم فقدان شروط السلامة والنظافة...خطوة مضافة الى خطوات الانعزالية السياسية القادمة!
تنويه خاص: وهل يمكن القول أن محمود درويش ليس حيا...وهل الحياة الإنسانية تقف حدودها عند جسد يتحرك، أليس ما قاله شعرا وأدبا أكثر حياة ...يا محمود أنت خالد نصا وروحا...فلا زلت حيا بموتك وكثير منهم أموات بحياتهم يا أيقونة الوطن!