تصادف الدورة الحالية للجمعية العامة مرور 75 عاماً على تشكيل الأمم المتحدة، أي يوبيلها الماسي، وبدلاً من احتفال بروتوكولي تاريخي في المبنى الزجاجي الشاهق، لم يلقِ الرئيس الأميركي الـ45 خطاب الافتتاح وجاهياً كالمعتاد، وأما الرئيس الفلسطيني، فسيخاطب هذه الدورة عن بُعد، أي عَبر الفيديو ـ كبقية رؤساء الدول والوفود بسبب جائحة كورونا.
هذه الدورة ستكون دورة إيران لماذا؟ خارج الأمم المتحدة ومجلس أمنها كانت اتفاقية فيينا النووية، المعروفة بـ (5+1)، والآن، صارت خلاف الإدارة الترامبية مع 5 دول وقعت اتفاقية فيينا. هذا خلاف أميركي مع معظم العالم.
في أيلول، تبدأ دورة اليوبيل الماسي للأمم المتحدة، وفي الشهر المقبل تشرين الأول، ستبدأ واشنطن فرض عقوبات على طهران، ستكون أشدّ وأقسى من عقوبات كانت مفروضة على إيران قبل اتفاقية فيينا، بينما تعارض بقية أطراف الاتفاقية تجديد العقوبات، فترد أميركا أنها ستشمل كل دولة لا تشاركها عقوباتها.
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وصف هذا الوضع بأنه «فوضى» تعانيها الأمم المتحدة، وكان قد وصف خلاف دول الاتحاد الأوروبي مع تركيا، بأن حلف الـ»ناتو» يعاني من حالة موت سريري.
الأمم المتحدة، كما حلف الـ»ناتو»، كما جامعة الدول العربية، جميعها تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أيلول، اعتذرت فلسطين عن ترؤس دورة الجامعة العربية، لأن «اتفاقية إبراهيم» أصابت الجامعة بحالة «موت سريري».
يبدو أن «حل الدولتين» صار، بدوره، في حالة موت سريري بعد «اتفاقية إبراهيم» حيث حضر سائر وزراء خارجية الاتحاد لقاءً مع وزير الخارجية الإسرائيلي، لكن لم تتم دعوة فلسطين. دول الاتحاد أشادت بـ»اتفاقية إبراهيم»، لأنها علقت خطوات الضمّ الرسمي الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. هذه مكافأة أوروبية غير مستحقة لإسرائيل، التي تواصل الضمّ والقضم الزاحف.
حتى قبل «اتفاقية إبراهيم» كانت تنتظر السلطة الفلسطينية مكافأة أوروبية مستحقة باعتراف دول الاتحاد بدولة فلسطين، أي أن تغادر أوروبا أنشودة ترديد «حل الدولتين». من قبل، كانت أوروبا، أو دولها الرئيسة الثلاث: ألمانيا، فرنسا وبريطانيا تتعلّل بأن دستور الاتحاد يشترط توفر حالة الإجماع على اعتراف الأعضاء بدولة فلسطين.
بريطانيا خرجت من الاتحاد، وألمانيا تبقى أسيرة «عقدة الذنب» اليهودية، وتظل فرنسا تقود مواقف الاتحاد الدولية، إلا في مسألة الاعتراف بفلسطين بعد أن لوّحت بذلك قبل رئاسة ماكرون.
كان على أوروبا أن ترد على اعتراف أميركا بحق إسرائيل في ضمّ ما تريد من الأراضي الفلسطينية، لا بتكرار أنشودة «حل الدولتين»، بل بتنفيذ توصيات برلماناتها لحكوماتها بالاعتراف بفلسطين، ما دامت تعتبر نفسها دولاً ديمقراطية تنفذ توصيات وتصويتات برلماناتها المنتخبة.
كتب مجدي الخالدي، مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، مقالاً في «الأيام» يوم 22 أيلول يتساءل، بمزيج من الدهشة والخيبة، لماذا تتلكّأ دول الاتحاد الأوروبي في الاعتراف بفلسطين، رغم أن موقفها من الوضع النهائي للحل العادل يتماشى مع موقف السلطة، وصارت تطلب من فلسطين تقديم اقتراح مضاد لـ»صفقة العصر» ثم التفاوض مع إسرائيل عليه. الخطة الأميركية الترامبية تشكل انقلاباً على الشرعية الدولية.
تلقى الموقف الفلسطيني، ومبادرة السلام العربية ضربةً قاسية من الاتفاق الإماراتي ـ الإسرائيلي ـ الأميركي، لكنه تلقى موافقة ضمنية أو إشادة من الاتحاد الأوروبي. السلطة الفلسطينية تخلت عن ترؤس دورة مجلس الجامعة العربية، التي صارت في حالة موت سريري، كما أن عقوبات الولايات المتحدة على منظمات الأمم المتحدة التي اعترفت بفلسطين، يعني دخول المنظمة الأممية مرحلة الغروب عن صنع أو مشاركة العالم في حل مشاكله وصراعاته. الشرعية الأميركية ليست بديلاً عن الشرعية الدولية.
منذ إعلانه «صفقة العصر» انسحبت أميركا من دور الوسيط المنحاز إلى إسرائيل، إلى دور شريك إسرائيل في رؤيتها وخططها في حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
جهود الإدارة الترامبية لمحاصرة موقف السلطة الفلسطينية الرافض للصفقة، عن طريق تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية تتعدى في اللغة العربية ما يقابله في اللغة الإنكليزية وغيرها، أي «نورماليزيشن» لأنه في العربية تطويع يستخدم في ترويض الوحوش لألعاب السيرك أو الحمير (الكر) وصغار الحصان (المهر) للامتطاء والركوب والتسخير.
سلام كامب ديفيد المصري ـ الإسرائيلي لم يحل المسألة الفلسطينية، ولا اتفاق مبادئ أوسلو، ولا الاجتياح الإسرائيلي للمدن الفلسطينية بعد الانتفاضة الثانية، ولا التطبيع العربي مع إسرائيل.
المسألة الفلسطينية هي القضية المركزية لإسرائيل، التي هي القضية المركزية لفلسطين. السلام يبدأ في فلسطين رغم زمن حروب عربية ـ عربية، بعد أن كانت معاهدة السلام مع مصر نهايةً لحروب جيوش الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
"الأيام"