ثلاث خطوات في اليد ومطلوبة حتى نصدق أن هناك مسارًا جادًا لاستعادة الوحدة وتعزيز العمل المشترك لمواجهة التحديات الوطنية والإنسانية:
١. وقف سياسية التمييز على أساس جغرافي ورفع العقوبات الجماعية عن موظفي ومواطني قطاع غزة
٢. حل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي.
٣. إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى خلفية الرأي واحترام حقوق الإنسان.
فعدم الخروج بقرارات واضحة من اجتماع (الأمناء العامون) والاجتماع الثنائي بين فتح وحماس تجاه ما سبق يدلل أن العملية فقط تعزيز الثنائية والمحاصصة وإدارة الانقسام وبحث تجديد الشرعيات في ضوء الخوف من فزاعة القيادة البديلة وصرعات قيادات فتح على الزعامة وبالتالي الاتفاق على إقصاء بعض الخصوم من المشهد السياسي وأيضا اقتراب موعد الانتخابات في حركة حماس وإبطال تفاهمات السنوار - دحلان ومنع الأخير من المنافسة في الانتخابات ، لتعزيز ذلك تم الانحياز إلى المحور التركي القطري في رسالة إلى المحاور العربية والإقليمية الأخرى، ما يدلل على عدم التعلم من التجارب السابقة في اعتماد سياسية النأي بالنفس كي تبقي القضية جامعة أو حتى اعتماد ذات المقاربات في مواجهة التطبيع وصفقة القرن وخاصة في ضوء التغيرات في الإقليم والعالم ما يحتم علي الشعب والقضية انتظار دفع الثمن في ظل اعتماد هذه المقاربة الخطرة وخاصة في ضوء استمرار ذات السياسيات والشخوص.
ولعل ما يعزز ما ذهبنا اليه هو خطاب الرئيس في الأمم المتحدة ورغبته في الظهور كممثل للكل الفلسطيني بعد اجتماع (الأمناء العامون) وخاصة بعد التشكيك بولايته وشرعيته التي انتهت من قبل خصومه إبان انعقاد اجتماع الجمعية العامة السابق وإظهار أنه يعمل من أجل إجراء الانتخابات التي وعد بها الاتحاد الأوروبي لضمان استمرار التمويل وما أكد عليه مرارا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولكن دون تنفيذ..
وهذا ما يجعل الحوارات بين فتح وحماس أقرب لهندسة الأوضاع وتثبيت سياسات الهيمنة والتفرد وخاصة أن خطاب الرئيس في اجتماع (الأمناء العامون) لم يشر للانتخابات وكذلك خطاب رئيس حركة حماس ومعظم الأمناء العامين المتحدثين في الاجتماع الخطابي في رام الله وبيروت على أهمية انعقاده بالحد الأدنى ولكن كان بالإمكان أبدع مما كان، وحتى المخرجات المتواضعة من الاجتماع جرى تجاوزها بالذهاب لحوار ثنائي يقوم على التقاسم ولعل ما يفسر ذلك عدا عن ميزان القوي الداخلي للقوى السياسية والتحولات في المنطقة استمرار أزمة الثقة التي يعيشها طرفا الانقسام بينهما ومع الشارع الفلسطيني بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها الغالبية العظمى من المواطنين الأمر الذي يظهر إعادة فتح مقاربة إجراء الانتخابات كتكتيك لشراء الوقت مع استمرار الرهان على الانتخابات الأمريكية، لعل في حال فوز (جو بايدن) يكون هناك جزرة قادمة لعودة أوهام التفاوض مع حكومة الاحتلال في ظل عدم تحويل وظيفة السلطة بما يبقي الباب موارب لكل الاحتمالات .
إن طرح قضية الانتخابات وتصدره المشهد الآن وفي ظل المعطيات الراهنة وعلى أهميته وأهمية إجرائها كمخرج من حالة الانقسام إلا أنه يجب ألا يكون وسيلة لتغطية عجز طرفي الانقسام عن مواجهة الأزمات الوطنية وعلى أهمية أيضا رفض كل الفرقاء التطبيع وصفقة القرن إلا أن هناك خشية للتساوق معها في إطار بقاء الحال علي ما هو عليه او تجديد أوسلو وخاصة في ضوء غياب رؤية لتجاوز حقبة استمرت ٢٧ عامًا، وخاصة أن نتائج الحوارات القائمة فشلت في الاتفاق على الحد الأدنى المطلوب للمواجهة وترتيب البيت الداخلي وتعزيز مقومات الصمود بما أن الحل التاريخي للقضية بعيد ,فحتى الاتفاق لتفعيل كل أدوات مواجهة المخاطر التي تحدق بالقضية الفلسطينية والدليل عدم الاتفاق على برنامج سياسي وطني واستراتيجية وطنية وقيادة جماعية مؤقتة وانتقالية لحين إصلاح وتفعيل مؤسسات النظام السياسي على أسس الشراكة و الديمقراطية وعدم الاتفاق على خطة لتفعيل مناهضة التطبيع ومخططات الضم والتهويد والحصار وانتهاكات الاحتلال للمقدسات قضية الأسرى وصفقة القرن وحتى تشكيل حكومة وحدة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه تم القفز عنه إضافة لتجاهل الاتفاقيات السابقة وتجاهل معاناة الناس في القدس وغزة ولبنان الشتات وتجاهل العدالة الانتقالية للضحايا والعقوبات الجماعية على غزة من قطع وخصم رواتب الموظفين والتقاعد المالي وقف مخصصات بعض أسر الشهداء والجرحى والأسرى وتقليص الخدمات، وعدم الاتفاق على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وحتى توحيد الجهود لمواجهة جائحة كورنا إضافة لعدم وضع قرارات اجتماع (الامناء العامون) موضع التنفيذ فسمة التأخير والتسويف قائمة حتى في الاتفاق على أعضاء قيادة المقاومة الشعبية واستراتيجيات عملها وهذا عن عدم تشكيل بقية اللجان .. وإن الذهاب لصيغ الحوارى الثنائي والتقاسم جربت سابقا وفشلت ما يعمق التخوفات على فشل هذا المسار ويؤكد للأسف أن خيار المصالحة لا يعدو إلا أن يكون تكتيكًا سياسيًا أكثر منه ضرورة وطنية ورسالة للاحتلال والولايات المتحدة في حال استمرار تجاهل القيادة الفلسطينية وغياب التفاوض ومسار التسوية بدلا من كونها ضرورة مصيرية لمواجهة التحديات الوطنية والانسانية.
وعلي الرغم من الحقائق والتحليل الوارد أعلاه ومضافا إليه تجارب الفشل لمقاربات المصالحة على مدار ١٤ عامًا.. وان كانت رغبتنا ورغبة الغالبية من شعبنا أن تأتي الانتخابات كتتويج لعملية المصالحة.
إلا أننا نقف مع مقاربة التحول الديمقراطي رغم كل الصعوبات ومع إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني باعتبارها استحقاقًا قانونيًا ووطنيًا، تأخر كثيرا وان كنا نأمل أن يتم الاتفاق عليها متزامنة وبجعلها أداةَ صراع مع الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن معطيات جعلها متتابعة لغرض في نفس يعقوب الوحيد الرافض للتزامن وهو الرئيس عباس ما يؤكد رغبته في بقائه على رأس كل السلطات وقدرته على التحكم في كل مسار الانتخابات حتى نتائجها وتكليف الحكومة من عدمه او الامتناع عن إجراء الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني في حال لم ترق له نتائج الانتخابات التشريعية ولعل تجربة الاتفاق السابق بين حماس وفتح الذي رعته لجنة الانتخابات وبعد تذليل بعض العقبات، إلا أن خلاصة التجربة إن تم تأجيل إصدار مرسوم الانتخابات والذرائع جاهزة وأخطرها رفض الاحتلال إجراءها في القدس بما يعني رهن أنفسنا وعملية الاصلاح السياسي للاحتلال رغم أنه بمقدورنا العمل على فرض الانتخابات في القدس بوضع صناديق الاقتراع في باحات القدس وليظهر قمع الاحتلال لحقوق المواطنين وحقهم في إجراء الانتخابات.
ثم إنه في زمن كورنا لماذا لا يتم الاتفاق على اجراء انتخابات الكترونية ومع توفير كل الضمانات لمنع تزيف النتائج وعمليات الاقتراع وهذا ممكن إضافة إلى القدرة على تمكين كل أبناء شعبنا في الداخل والشتات من المشاركة في الانتخابات.
ثم ان عرض مقترح القائمة المشتركة بين فتح وحماس وعدم الاكتراث بالأحزاب الأخرى والناس وفكرة التنافس والتعددية ما يعني تأييد الوضع القائم وشرعنته.. وطالما هناك رغبة في قائمة مشتركة لماذا لا يتم التشارك بالتوافق طول ١٤ عامًا .. ومع تأكيد حق شعبنا في إجراء الانتخابات كحق جرى مصادرته منذ أكثر من عشر سنوات وأداة ديمقراطية للتجديد والمحاسبة وإعادة إصلاح مؤسسات النظام السياسي المنهارة و تفعيل مكونات المجتمع إلا أن عدم توفير متطلبات نجاحها السياسية والقانونية والمجتمعية سيكون قفزة في الهواء تعيد النظام السياسي إلى ذات الأزمات الخارجية والداخلية لذا من المهم مناقشة هل سوف تجرى الانتخابات للسلطة وفي إطارها يتم تجديد اتفاق اوسلو.. أم ستجرى لبرلمان ورئيس دولة فلسطين تحت الاحتلال وهذا يتطلب استعداد مغاير من إعداد وإقرار دستور وعقد اجتماعي أم سيترك ذلك ويرحل للمجلس المنتخب وبالتالي سيكون بمثابة مجلس تأسيسي، أم أن المجلس الوطني سيقوم بهذه المهمة حال انتخابه ولماذا لم تتشكل حكومة وحدة للإشراف على الانتخابات، ما هي ضمانات احترام الحقوق والحريات و توفيرها للمرشحين والقوائم الانتخابية في ظل بقاء سلطتين مختلفتين؟ وكيف يمكن تحديد أجهزة الأمن وهل هناك خارطة زمنية للاتفاق على محكمة الانتخابات وقضاتها وتعديل قانون الانتخابات بالتوافق؟ وتوفير كل متطلبات نزاهته العملية الانتخابية بما فيها المراقبين الدوليين والاتفاق على كيفية التصرف وطنيا و دوليا للتصدي لأي انتهاكات من الاحتلال سواء اعتقال أو تهديد المرشحين، وكذلك الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن النتائج لضمان القبول بنتائج الانتخابات.
ما يتطلب التوافق بين كل القوى الوطنية والمجتمعية على توفير كافة الضمانات لإنجاح الانتخابات العامة، ومن بينها الاتفاق على ضرورة وهذا ينبغي وفق حوار وطني شامل يسبق العملية الانتخابية لتوفير مستلزمات إنجاح الانتخابات ، ومنع أن تكون الانتخابات بوابة لصراع جديد، قد يفضي إلى تهديد السلم الأهلي.
ويجب أن تكون الانتخابات في سياق استراتيجية مقاومة تتبناها حركة تحرر وطني، كجزء من استراتيجية وطنية هدفها التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة وتقرير المصير.
هذا هو الحد الأدنى لضمان مسار جاد لإجراء الانتخابات وضمان تحولها أيضا إلى أداةٍ للتغيير، والتجديد في السياسيات والشخوص وإشراك الشباب والنساء وكل القطاعات الاجتماعية ويبقي الرهان على وعي أبناء شعبنا لمخاطر التسويف واستخدام المصالحة كتكتيك بدلا من اعتمادها كحلقة مركزية ومتطلب ضروري لمواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية والرهان أيضا على قدرة شعبنا على بلورة تيار وطني عابر للأيدلوجيا يضم كل الراغبين بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس الشراكة والتوافق الوطني وسيادة القانون لقطع الطريق على التسويف والتفرد والثنائية الحزبية واستمرار الأوضاع الراهنة بما يضمن الاتفاق على خارطة طريق وطنية شاملة تضمن تغيير السياسيات والشخوص وتجديد وتفعيل وتوحيد مؤسسات الشعب الفلسطيني وتوفير كل عوامل انجاح التحول الديمقراطي المنشود بما يكفل صيانة الحقوق الوطنية والحريات.