خاص الكوفية| ثائر نوفل ابو عطيوي: مستجدات كثيرة طالت الفترة السابقة الساحة الدولية عامة والفلسطينية خاصة، ولا زالت تداعياتها قائمة ومستمرة ، تجعل من الرؤية غير كاملة الوضوح في المشهد العام ، وفي عدة جوانب ، السياسي الفلسطيني د. نبيل عمرو لديه تصورات ورؤى فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني والدولي ، وآخر مجريات الأمور والاحداث والمستجدات.
تمر الحالة السياسية الفلسطينية في حالة انعدام الأفق وعدم وضوح الرؤية ، نظراً للوضع الداخلي والاقليمي والدولي في هذا السياق يقول د. نبيل عمرو للكوفية:" الوضع العام الدولي والإقليمي انقلب عما كان عليه في الماضي، وبالتالي لم تعد القضية الفلسطينية ذات أولوية كما كان في الماضي، حتى على الصعيد الإعلامي والأدبيات السياسية أيضاً "، مؤكداً على أن التخبط سيظل هو السمة المميزة للأداء الفلسطيني حتى يستوعب أصحاب القرار الفلسطيني هذه المتغيرات الهائلة.
وأضاف :" ولكي نخرج من هذه الأزمة الأمر يحتاج إلى دراسة واقعية يؤديها الخبراء الذين يعرفون في الحياة السياسية الدولية، ويعرفون في كل الأمور المتصلة بالعلاقات السياسية، وأن يضعوا خطة جديدة تبدأ بتجديد المؤسسات الفلسطينية، لكي تكون قادرة على إنتاج سياسة منهجية صحيحة، والدخول الفوري في انتخابات عامة تبدأ بالتشريعية ثم الرئاسية ثم المجلس الوطني، دون ذلك سيبقى التخبط السمة الأساسية للسياسة الفلسطينية".
المصالحة شعار واستثمار
فيما يتعلق بما جاء على لسان أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح " جبريل الرجوب"، و إستئناف لقاءات المصالحة ، في ظل تصريحات حركة حماس أن حديث بعض قيادات فتح على أن حماس هي من تعطل مسار المصالحة هو مجرد محاولة للتغطية على الخطيئة السياسية الكبيرة المتمثلة بتراجع السلطة عن قراراتها السابقة يشير د.عمرو أن المصالحة أصبحت شعار واستثمار، لم تعد قضية جدية بالنسبة للقوى السياسية الفلسطينية، بدليل أنهم يتحدثون عن أهميتها أمام هذا التآمر الشامل على القضية الفلسطينية و صفقة القرن وما تلاها، ثم بعد ذلك موضوع الضم، ثم تكثيف الاستيطان، ثم التطبيع العربي الزاحف علناً و سراً.
ويتابع :" أمام كل ما تقدم يجتمع الفريقين فتح وحماس، ويقولوا أن هذا يحتاج إلى ضرورة جمع الصفوف وتوحيد الموقف وتوحيد السلوك ، ولكن في نهاية المطاف لن ينجحوا لأن هناك أجندتين مختلفتين على الساحة السياسية ، أحدهما مع التسوية والأخرى تطالب بالابتعاد عن التسوية، أجندة تطالب بالعمل بمقتضى اتفاقيات أوسلو، والعمل بمقتضى الاتفاقيات والتفاهمات التي تمت ، وأنه لا بديل عنها، بينما الطرف الآخر يطرح خيار المقاومة الشعبية المسلحة" ، لافتاً إلى أن النهجان لا يلتقيان حتى لو اجتمع الطرفان آلاف الساعات.
ولو حُسِبَت الساعات التي جلستها فتح وحماس لتخطت 100 ألف ساعة زمنية ، ولكن النتيجة كلما تم الاقتراب من التفاهم والاتفاق يخرج شيء يعيدنا إلى نقطة البداية، وحسب رؤية د. عمرو أن السبب هو وجود منهجين مختلفين في الاتجاه الأساسي، وكذلك هناك مزايا للسلطة سواء في رام الله وغزة ، لا يريد أحد التخلي عنها، وهذا مؤسف للغاية، وبالتالي سيظل الوضع على حالة لفترة طويلة ، لأن الخلاف في التوجهات يفرز دائما مزيد من الحوار ، الذي يؤدي لمزيد من تعميق الانقسام.
من جهة أخرى يؤكد د. عمرو أن الوضع القائم والسياسة الإسرائيلية لن تتغير في حال حدثت انتخابات إسرائيلية رابعة أو مغادرة نتنياهو لأن الصراع القائم فيها هو صراع بين اليمين واليمين، وعندما تأتي ساعات الاستحقاق يتحد اليمين مع اليمين، ولا يذهب في اتجاه الوسط الذي يسمى يسار، مؤكداً على ضرورة ترويض أنفسنا على أن الحد الأدنى الذي يتفق عليه الإسرائيليون يختلف عما يطالب به الفلسطينيين ، وإسرائيل طالما يحكمها تحالف اليمين فلا أمل أن تحرك حتى المفاوضات على أساس صفقة القرن، وتريد أكثر من ذلك، وحتى في حال وصول حكومة ائتلافية فيها بعض اليساريين ، فلن يختلف الأمر كثيراً _ حسب تعبيره _.
الشرق الأوسط الجديد
وعن الرؤية المستقبلية حول الشكل القادم للشرق الأوسط الجديد قال د. عمرو :" سيكون هناك تغيير كبير في الشرق الأوسط ، بعيداً عن الموقف من القضية الفلسطينية وإسرائيل، فهناك متغيرات كثيرة على الصعيد الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وعلى كل الصعد، كما أن هناك تغيير جوهري وجذري في الشرق الأوسط، و نحن يجب أن نقرأه جيداً، فالمقبل مثلا موضوع دور المياه في تشكيل الخرائط السياسية القادمة، ودور الغاز في تشكيل التحالفات القائمة، وكذلك إشكال شرق المتوسط الذي تم تأسيس نادي بخصوصه الذي يضم مصر والعديد من الدول المتماثلة معها في الموقف من قضية الغاز ، وكذلك والموقف من تركيا ، لهذا الشرق الأوسط سيشهد حالة تتغيير باستمرار".
وأضاف :" حتى على الصعيد اللبناني، الذي يوشك على الإفلاس رغم أنه يمتلك ثروة في باطن البحر تكفي لإنقاذه مما هو فيه، ورغم ذلك التجاذبات السياسية في لبنان تسير نحو اتجاه أن يظل البلد تحت خط الأزمة والفقر، ومن ناحية أخرى إيران ترى أن لبنان محافظة إيرانية وبالتالي ستبقى تدعم الوضع الراهن، طالما بقى حزب الله هو المسيطر على الوضع في لبنان وبالتالي خارطة الشرق الأوسط وخصوصا الجزء العربي منه هو جزء كبير من ناحية المساحة وعدد السكان والثروات" ،مرجحاً أن تغيرات هائلة تجري وستجري ،وحتى لم تتبلور بصوره نهائية، وعلينا أن نراقب وأن نعي ماذا يحدث ؟ ، وأن نبحث عن أفضل الطرق لكي نكون ضمن المعدلات القادمة.
لا رهان عملي
من جانب آخر نوه د.عمرو إلى أن الفرحة الفلسطينية بفوز بايدن لا تعني الرهان عليه عملياً، ولكن لأنه أسقط ترامب، المكروه فلسطينيا وسيئ الذكر على الساحة الفلسطينية ، بسبب مبالغته بإلحاق الأذى بقضيتنا، حيث يعتبر أسوأ رئيس أمريكي في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني، رغم سوء كل من سبقوه، ولكنه أراد أن يسلم رقبة الفلسطينيين كاملة لنتنياهو، وبالتالي بالغ في تعبئة الفلسطينيين والقوى الدولية ضد سياسته، والعالم رفض الوقوف مع ترامب في عرضه لصفقة القرن أحادية الجانب، لأن العالم اتفق على "حل الدولتين" وغير مستعد للرد على انقلاب ترامب في الذهاب نحو صفقة القرن.
ويشير د. عمرو إلى أن "بايدن" أرسل رسالة أمس، أكد فيها أن القضية الفلسطينية غير مطروحة على أجندته، فلماذا التفاؤل بأنه قد يحمل حلول؟ ، ولكن قد تعيد الإدارة الأمريكية الجديدة بعض المزايا، مثل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والذي لا تتعدى مساحته 100 متر، ومن الممكن إعطاء السلطة الفلسطينية قليلا من الدعم المالي والمساعدات، ولكنها لن تعيد سفارتها من القدس إلى تل أبيب، ولن تسحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي التطبيع سيدعمونه ويشجعوه ، ولكن بشكل مختلف عن رؤية ترامب ، وهنا لا يراهن أحد على أن أي إدارة أمريكية تستطيع أن تأتي لنا بالحل الذي يريده الفلسطينيين، لأن جميع الإدارات الأمريكية السابقة أعطت تعهدات كأنهم سوف يقيموا دولة فلسطينية غداً، والمخلص في ذلك لا يستطيع تنفيذ ما تعهد به.
القضية الفلسطينية
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يؤكد د. عمرو أنها أكبر بكثير من أن تتخيل أي قوة على وجه الأرض أن يقوم بتصفيتها وإنهاء الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، يمكن أن يتعثر الوصول لإقامة دولة والوصول للحقوق، وأن يمتد أمد الاحتلال لفترة، حيث وجود شعب فلسطيني يزيد الآن عن 14 مليون نسمة داخل وخارج الوطن، لا يمكن مصادرته، ولا مصادرة حقوقه الوطنية.
ويقول موضحاً :" كل حركات التحرر في العالم تنتكس وتتقدم وتتراجع، ونحن الآن في مرحلة تراجع وحصار سياسي واستراتيجي ، ولكن رصيدنا الأساسي كفلسطينيين هو كثافة وجودنا على أرضنا في الضفة وفي القدس وفي غزة والمجتمعات العربي والعالم، كل هذا يشكل ضمانة لأن لا يستطيع أحد تصفية هذه القضية، وعلينا ألا نيأس، لأن اليأس هو الذي يسعى الخصوم لإنهاء القضية ، فلنصمد على أرضنا وندير شؤوننا بشكل جيد من خلال إدارة سليمة تعينهم على الحياة، وهو ما يجعلنا نحتاج لإدارة محترمة عصرية ديمقراطية منتخبة، وحتى الآن هذا لم يتحقق، ولذلك نحن في تراجع داخلي في موضوع الوحدة الوطنية ،والحالة السياسية و الاقتصادية.
واختتم د. عمرو كلامه قائلاً :" لهذا يجب أن يفكر الفلسطينيين في إدارة جديدة وعصر جديد عبر انتخابات وتحديث المؤسسات، فنحن شعب لم نأت من الأدغال، نحن شعب معطاء على كل كافة الصعد والمستويات رغم أنف الاحتلال ، لذلك يجب أن يدار الشعب الفلسطيني بصورة أرقى وأفضل مما يدار به الآن.