بعيداً عن الزهو والتباهي بما وصلت إليه الفلسطينية الأصل ريما دودين من مكانة مرموقة على قمة العالم – البيت الأبيض - مع أنها تستحق أن يتباهى بها؛ فإن ريما بالنسبة لي أثارت قضية بالغة الحيوية والأهمية وحتى الإلحاحية، عنوانها: كيف يتعامل العرب في أميركا مع وضعهم، والفرص المتاحة لهم للمشاركة في الحياة السياسية؟ هل هم أميركيون من أصل عربي، أم عرب يعيشون في أميركا، ولا همَّ لهم إلا لقمة العيش بعيداً عن المؤسسات الأميركية التي تصنع السياسة في الدولة العظمى؟
بعض العرب - ومنهم فلسطينيون كثر - تعاملوا مع وضعهم بوعي كأميركيين من أصل عربي، واستفادوا من الفرص المتاحة لهم لإثبات فاعليتهم على مستوى الحياة الأميركية الحزبية والأكاديمية والثقافية والرسمية، مع احتفاظهم بالولاء الفطري للأصل.
وفي أميركا مساحات واسعة تستدعي الأذكياء لاستخدامها والصعود منها وفيها، إلى أعلى المراتب وأكثرها فاعلية، وصل المقدسي سنونو إلى موقع مدير البيت الأبيض، الأشبه برئاسة الوزراء في بلدان أخرى. ووصل إدوارد سعيد إلى أن يشار إليه كأهم مثقف في الولايات المتحدة، ووصل إبراهيم أبو لغد إلى المكانة ذاتها، وبالتأكيد هنالك غيرهم الكثير الكثير ممن نعرف ولا نعرف.
أما ريما دودين، ولكي نعرف كيف شقت هذه الفتاة الفلسطينية طريقها إلى البيت الأبيض كموظفة رئيسية، فلنقرأ تفاصيل مسيرتها في الحياة الأميركية، لنجد أنها فتاة تعبت على نفسها في مجال تأهيل ذاتها، من طالبة مجتهدة إلى ناشطة اقتحمت أهم المراكز والمواقع المؤثرة في الحياة الأميركية على مختلف مجالاتها. اندمجت في الواقع الأميركي، وعرفت كيف تترجم العنوان، أميركية تماماً من أصل فلسطيني عربي، ونجحت بامتياز في الإفادة من الفرص التي ينتجها النظام الأميركي أمام كل من يحمل جنسيته، بصرف النظر عن شجرة عائلة المنشأ، فالمهم هنا هو الكفاءة أولاً وأخيراً.
لا أتوقع دوراً سياسياً مباشراً لريما، كما يتصور المتحمسون، ولن تكون مندوبة للفلسطينيين في البيت الأبيض، إنها بالضبط مساعدة مهمة للرئيس بايدن، وأقصى ما تستطيع فعله في المجال السياسي أن تقول كلمة موضوعية لمصلحة العدالة حين لا تتعارض مع سياسة رئيسها، أو حين تُسأل.
إنسانياً وحتى غرائزياً، لا نستطيع منع أنفسنا من الزهو بوصول شابة فلسطينية ذكية وجميلة ونشيطة إلى أي موقع رفيع المستوى في أي دولة أجنبية، فما بالك بأميركا والبيت الأبيض! إلا أن ما يتعين عليها فعله في موقعها المهم هي وحدها من يقرره، فهي أميركية من أصل فلسطيني، ولها منا تمني النجاح فيما اختارت لنفسها وفيما وصلت إليه.
بالمناسبة، أقرأ كثيراً عن شبان وشابات فلسطينيين وعرب؛ خصوصاً أولئك الذين وُلدوا في أميركا وترعرعوا في بيئتها، وأجادوا لغتها، وتعرفوا على الطرق المؤدية إلى إثبات فاعليتهم في البناء الأميركي الضخم.
إنهم كثيرون، ويزدادون باستمرار، ومع إتقانهم لأداء «أميركيتهم» فإنهم يتقنون كذلك دورهم الإعلامي والسياسي، ويتمكنون من إقناع كثيرين بعدالة قضية أهلهم.
نحن في زمن يراكم الأذكياء فيه مزايا، ويتقدمون، ويهدد فيه الأغبياء ما راكمه الأذكياء، ويخسرون ويخسرون.
"الشرق الأوسط"