الكوفية:اتفاقية باريس كانت هي الاحتلال الحقيقي، للأرض والانسان والموارد، وإحتلال مربح، حيث تحولت الاراضي الفلسطينية الى ثاني أكبر سوق استهلاكي للبضائع الاسرائيلية، 80% من واردات الفلسطينين هي من اسرائيل، و90% من صادراتهم الى اسرائيل، وجسدت حالة ارتباط كبير في الحركة التجارية بين مناطق السلطة واسرائيل، ولم تتيح مجال أمام الفلسطينين للاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة مع العالم الخارجي، وأعتمد القطاع الصناعي والزراعي وقطاع الانشاءات والمقاولات ومعظم قطاعات الاقتصاد الفلسطيني على المواد الخام المستودة، وهذا شكل أكبر تحدي أمام عملية تنمية حقيقية، الأمر الذي حال دون إمكانية تأسيس اقتصاد فلسطيني قادر على تلبيةاحتياجات ومتطلبات المواطنين، وإتبعت إسرائيل سياسات وإجراءات عملت على خنق الاقتصاد الفلسطيني، وخاصة بما يتعلق بمنع سلطات الاحتلال وصول الفلسطينيين إلى المناطق المسماة(ج) وحرمانهم من الاستثمار في الموارد الطبيعية.
يحتوي اتفاق باريس على 11 مادة، تتطرق المادة الاولى الى اطار ونطاق الاتفاق، وتعالج المادة الثانية، مهام وبنية اللجنة الاقتصادية المشتركة، وتنظم المواد الاربعة التالية سياسة وضرائب الاستيراد، والسياسة المالية والنقدية، والضرائب المباشرة وغير المباشرة على الانتاج المحلي، أما المواد المتبقية فهي تتعلق بالتعاون والتنسيق في مجالات العمل والزراعة والصناعة والسياحة، وهذه المواد ذات طابع عام، ومعظم نصوصها لا تطبق على أرض الواقع، فالاتفاقية لم تحقق للفلسطينيون أية امتياز.
حرم الفلسطينيين من إنشاء مخازن جمركية تحت إدارتهم، وحرم موظفي الجمارك الفلسطينيين من التواجد على المعابر، وسمحت لموظفي الجمارك الاسرائيليين بالجباية على الواردات، مقابل عمولة 3%، وبذلك تحول أهم مورد مالي لخزينة السلطة وهو أموال المقاصة التي تساهم بحوالي 63% من إجمالي الايرادات المحلية، لتصبح في قبضة الاسرائيليين، الذين وضفوها أمنياً كأداة للابتزاز السياسي وممارسة الضغوط على السلطة.
كما أن القوائم السلعية المدرجة في الاتفاق لم تعد تتواءم مع متطلبات الاقتصاد الفلسطيني، ولم تجتمع اللجنة المشتركة المنبثقة عن هذا التفاق، لبحث وتطوير ومناقشة استكمال بنود هذا الاتفاق، لتتماشي مع متطلبات، وضمان حرية وتدفق السلع والبضائع، واستمرت اسرائيل بالتمييز بين التاجر الاسرائيلي والتاجر الفلسطيني، وهذا زاد الأعباء والتكاليف والخسائر على التاجر الفلسطيني في عملية الاستيراد والتصدير مقارنة بالتاجر الإسرائيلي.
وهذا يدفعنا للعمل الجدي من أجل التحرر من هذه الاتفاقية، وبنودها المجحفة، والانفكاك عن الاقتصاد الاسرائيلي، ضمن خطة مدروسة متدرجة لتجنب أية اثار عكسية أو ردات فعل اسرائيلية، كما حدث عام 2011، عندما قررت السلطة التوجه الى الامم المتحدة، وهددت اسرائيل بوقف العمل بهذه التفاقية وبجميع الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي، ولم تتعاطي مع مساعي الفرنسيين لتعديل بنود الاتفاقية، ورهنت تحويل اموال المقاصة بعودة التنسيق الامني، حينما جمدت السلطة علاقتاتها باسرائيل على خلفية اعلان خطة ضم الاغوار، كل هذا يستدعي حشد خيارات مواجهة الاثار المترتبة على هذه الخطوة، التي تؤثر علينا كفلسطينيين عبر ثلاث قنوات مهمة، أولها أموال المقاصة، وثانيها العمالة الكبيرة في الداخل الاسرائيلي، ثم تبادل عرض الكتل النقدية من الفئات الثلاثة.
ومن المعلوم ان اسرائيل، رفضت بشكل قاطع الالتزام بتشغيل عدد محدد من الفلسطينيين، وهذا يعني تحكمها الكامل بعدد العمال دون الحاجة الى تجميد اتفاق باريس، ولقد قامت بذلك فعلياً عدة مرات.
ولاشك أن اسرائيل ستتكبد خسائر فادحة في حال طبقت فعليا السلطة خطوات الانفكاك، وتمكنت السلطة من الاستيراد والتصدير للخارج بشكل مستقل، إما عبر الموانئ والمعابر الاسرائيلية أو عبر الحدود المفتوحة مع الأردن، حيث ستفقد اسرائيل حوالي 30% من حصتها في السوق الفلسطيني، وهذا يعني انخفاض في حجم الضرائب، وتأثير على سعر صرف الشيكل، فالكتلة النقدية المتداولة بعملة الشيكل في السوق الفلسطيني تفوق 2 مليار، كما أنه فشلت كل تجارب الاقتصاد الاسرائيلي في الاستغناء عن حوالي 50 الف عامل اسرائيلي، لما تتمتع بها العمالة الفلسطينية من أجرة رخيصة، وخبرة وكفاءة وانتاجية عالية، مقارنة بالعمالة التي يتم جلبها من الخارج، وبذلك يصبح الاقتصاد الاسرائيلي مهدد بحالة ركود.
طيلة السنوات السابقة تعاملت اسرائيل بانتقائية في تطبيق اتفاق باريس، ولوحت اكثر من مرة بالغاؤه فقط لترهيب الفلسطينيين، دون ان نلجا الى نفس الاسلوب والتهديد بتسليم اسرائيل شؤون الفلسطينيين اليومية، بمعنى أنها ستعود بصفة المحتل مرة اخرى، وهذا بعيد المنال بالمفهوم السياسي، أو حتى أبسط الامور وتشجيع الناس على مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، وتشكيل مجلس نقد للتحضير لاصدار الجنيه الفلسطيني، ووقف التعامل بعملة الشيكل، واستيراد الاسمنت والبترول من مصر أو الاردن، ووقف استيراد السلع المنتجة وطنياً، واللجوء الى استخدام الاستيراد المباشر مع تدخل حكومي لتخفيف أعباء الزيادة في التكاليف بتخفيضات ضريبية، ...والخ من الخطوات.
بالمحصلة بات واضح ان القيادة الفلسطينية ليس لديها علم بالاقتصاد وكيفية استخدام الاتفاق ليكون مع او ضد، لكن اسرائيل أجادت استخدام الاتفاق ليكون أداة سياسية وأمنية.