- شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزة
- إصابات بقصف الاحتلال مركبة في مدينة صور، جنوب لبنان
متى ينبغي لجائحة فيروس «كورونا» أن تعفيك من مسؤولياتك التعاقدية؟ ظلت المحاكم في الولايات المتحدة تنظر في هذه القضية المهمة منذ شهور مضت وحتى الآن، وكانت الإجابة المعلن عنها حتى وقت قريب: لا إعفاء على الإطلاق.
وهذا الأمر يتسق مع تقليد أميركي معمول به منذ فترة طويلة، يتحمل وفقاً له كل طرف في التعاقد مخاطر تعهداته الخاصة بصفة أساسية. ولكن ثارت بعض الدعوات من أجل تغيير هذا الوضع القائم، وربما نجد صدراً رحباً لدى بعض القضاة للنظر في الأمر.
ولنلقِ نظرة عاجلة على التاريخ. في خريف العام الجاري، كنت على غرار عدد من أساتذة القانون الذين يحاضرون ويدرسون العقود، قد أضفت إلى مقرراتي الدراسية حكماW قضائياً كان قد اتخذ في عام 1918، تحت عنوان «هانفورد ضد الرابطة العامة للنقابات»، تلك القضية التي نشأت في عام 1916 إبان جائحة شلل الأطفال التي أسفرت عن موت 6 آلاف مواطن وقتذاك، وأغلبهم كان من الأطفال، في أنحاء الولايات المتحدة. وكان أحد رجال الأعمال قد ألغى فعالية تتعلق بمعرض للأطفال بسبب الوباء المنتشر حينذاك، ولقد قام مالك العقار بمقاضاته نظراً لأنه كان يتوقع كسب الأموال من وراء تنظيم تلك الفعالية وإيجار العقار الذي يملكه. ولقد جاء حكم المحكمة وقتها مؤيداً لصالح رجل الأعمال على أساس أن تنظيم الفعالية وإقامة المعرض كان سيرجع بعواقب وخيمة على الصحة والسلامة العامة.
ومن واقع فورة الدعاوى القضائية التي اندلعت في أعقاب انتشار وباء «كورونا» الراهن، جاءت نتائج القضايا المرفوعة بشأن انتهاكات بنود التعاقدات سيئة للغاية بالنسبة للأطراف التي اتخذت من الجائحة ذريعة للانفكاك من التزاماتها التعاقدية المبرمة. وعلى العكس تماماً من المحاكم في عدد من البلدان المتقدمة الأخرى، يميل النظام القضائي في أميركا إلى إنفاذ بنود وأحكام التعاقدات على النحو المنصوص عليه فيها.
ولنأخذ في الاعتبار، على سبيل المثال، فيض الدعاوى القضائية التي تطعن في بنود التأمين الخاصة بانقطاع الأعمال التي تستبعد الخسائر الناجمة عن الإصابة بالفيروسات. وحتى الآن، جاءت أحكام المحاكم لصالح شركات التأمين المختلفة، على حساب المطالبين بالتعويضات المالية. وكانت الرسالة الواضحة تتعلق بأن الأمر متروك تماماً لتقدير الشركات التي ترغب في التأمين ضد الخسائر الناجمة عن الأوبئة. وعلى خلاف ذلك، فإن الشركات تطالب بالحصول على تعويضات مالية عن المخاطر التي لم تتعاقد مع شركات التأمين على تغطيتها في المقام الأول.
ولأسباب مماثلة، كان تجار التجزئة الذين يتصارعون مع أصحاب العقارات يرجعون بأحكام قضائية في غير صالحهم. فلقد ارتأت المحاكم الأميركية في طول البلاد وعرضها أن كارثة الوباء الراهنة لا تعد عذراً كافياً يُعفى المستأجرون التجاريون بسببه من سداد قيم الإيجارات المستحقة. كما أن كارثة الوباء لا تعتبر أيضاً مبرراً للتنصل من عقد الإيجار بغرض التجزئة بالكلية.
حتى في مدينة نيويورك المؤيدة للمستأجرين التجاريين، أعربت المحاكم هناك عن شواغلها بشأن الدفاع ضد الوباء الراهن. وفي حكم قضائي آخر صدر عشية عيد الشكر، رفضت قاضية المقاطعة الفيدرالية روني أبرامز دعوى قضائية مرفوعة من قبل أصحاب العقارات، يزعمون فيها أن القواعد الجديدة المعنية بحماية المستأجرين لأغراض السكن وللأغراض التجارية من «المضايقات» في أثناء الوباء الراهن، قد تسببت في إلحاق الأضرار والخسائر المالية والاقتصادية، من خلال إعاقة قدرتهم على الاستفادة المباشرة من ممتلكاتهم العقارية، بيد أن الحكم القضائي جاء أقل تأييداً للتنظيم الرقابي مما يبدو. فلقد وافقت القاضية أبرامز على أحقية أصحاب العقارات في كسب الأموال، ولكنها أكدت أن قرارها يستند إلى تفسير القواعد بأنها لا تتداخل بأي صورة من الصور مع أحقية أصحاب العقارات في المطالبة بقيم الإيجارات المستحقة.
بيد أنه ربما تكون هناك تغييرات قادمة في الأفق. ففي 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أصدرت محكمة الإنصاف في ولاية ديلاوير ما يُعتقد بأنه أول حكم قضائي رئيسي من نوعه، ذلك الذي يسمح لشركة من الشركات بالتراجع عن الصفقة المبرمة بسبب تبعات جائحة «كورونا». فلقد جرى إعفاء شركة «ميراي أسيت غلوبال إنفستمنت» الكورية من الاتفاقية البالغة 5.8 مليار دولار لشراء 15 فندقاً من مجموعة «داجيا إنشورانس غروب» الصينية، وذلك لأسباب من بينها أن كارثة الوباء اضطرت المجموعة الصينية إلى إدخال تغييرات كبيرة على العمليات، الأمر الذي يعتبر انتهاكاً واضحاً لبنود التعاقد.
ولا يمكن اعتبار ذلك الحكم من الأحكام الرائدة، غير أن النتيجة الناجمة عنه تشير إلى أن المحاكم الأميركية ربما شرعت في النظر بعين الاهتمام في الأدبيات القضائية المتنامية، والداعية إلى اتخاذ مقاربات أكثر هدوءاً مع المطالبات القضائية ذات الصلة بكارثة الوباء، عند النظر في الدعاوى القضائية الخاصة بالتعاقدات المختلفة.