الكوفية:سواء أحببتم باراك أم كرهتموه، فإن السنوات العشرين الأخيرة في إسرائيل ما كانت لتكون بدونه. فقد استقر في الوعي قبل خمسة عقود كمقاتل وحشي ينال الأوسمة. ومن هناك كان النشوء والارتقاء الى رئاسة الأركان التي كان لا بد منها مثلما كان استيراده الى السياسة كذخر وطني من جانب رابين وبيريس. وقد شهدنا منذئذ صعودا وهبوطا، بداية واعدة كأمل جديد لليسار وتحطما أليما. مفاوضات فاشلة مع الفلسطينيين ومع السوريين، أحداث تشرين الأول 2000 والخروج من لبنان الذي حظي بصفر من تطهير النفس، وفي دوائر معينة في اليمين والذي سجل حتى اليوم علامة هزيمة. الانضمام الى نتنياهو وزيرا للدفاع وحل حزب العمل. مواجهة وخلافات مع اولمرت بعد حرب لبنان الثانية. الانسحاب من السياسة كي «يعمل لبيته».
في سن 78، وعلى وعي بالاحتمال المتدني ليعود لرئاسة الوزراء يسمح لنفسه أخيرا أن يتحدث وهو متحرر من المتطلبات الرسمية، ويثبت بأنه لا تزال لديه رصاصات في السبطانة. حديث مع باراك، وهو شخص ذو عقل تحليلي لا يتوقف، هو دوما حدث مثير. فمن يمكنه ان يربط بين كانط واشكنازي في جملة واحدة. ان يفكك الى العناصر الاولية صورة جغرافية سياسية معقدة وينهي بمحاكاة لامعة لرابين.
على المستوى الوطني، شارك في كل نقطة وانعطافة في العقود الاخيرة. يعرف كل شيء. اكثر بكثير مما هو مسموح الحديث فيه حتى بعد سنوات من تركه اي منصب رسمي. مثلا عن ايران. بالنسبة له، فإن تصفية مؤسس البرنامج النووي، محسن فخري زاده، هو مجرد فصل آخر في كتاب بدأ يكتب منذ زمن بعيد، وليس من قبل بنيامين نتنياهو.
«منذ أن كنت رئيسا للوزراء بدأ الموضوع الايراني يطوف كتهديد قد يتحقق. ولكن هذا كان جنينيا جدا، وبرز عمليا بعد سنتين من تركي في محيط 2003. اتخذ شارون في حينه قرارا مهما. فقد قرر أن نفعل هذا سراً بالاساس، وكلف بذلك (الموساد) أساسا».
البرنامج النووي الإيراني
*وماذا اكتشفت عندما عدت الى وزارة الدفاع؟
- «عندما عدت الى وزارة الدفاع في 2007، كان أحد الامور الاولى التي فعلتها هو دعوة مئير داغان ليشرح لي اين نقف في هذا الصراع. فقد وصلوا الى انجازات استثنائية، ولكن لا يمكن تجاهل الحقيقة الثانية في أن الايرانيين يواصلون التقدم في البرنامج النووي. وعليه فيمكنني القول إن العمل في الجبهة الايرانية، في آفاق غير عسكرية، من 2003، وفي آفاق اعداد الامكانية، بدأ في 2007».
في السنوات منذئذ يروي باراك، كانت ثلاث حالات وضعت الهجوم الإسرائيلي العسكري في ايران على جدول الاعمال: في 2010، في 2011 وفي 2012، عندما كان وزير الدفاع. في هذه المرحلة كان يمكن ان نشخص كل اللاعبين المعروفين الذين يلعبون، الآن، في المعركة الثالثة ايضا. كان غابي اشكنازي رئيس الاركان وبعده بيني غانتس، وتولى افيغدور ليبرمان وزارة الخارجية ورئيس الوزراء كان بنيامين نتنياهو.
* تعال نبدأ من 2010 ماذا حصل هناك؟
- «في 2010، ما أوقف هذا في النهاية هو أننا أخذنا رئيس الاركان اشكنازي، رئيس «أمان»، ورئيس «الموساد» – هؤلاء هم الاشخاص الثلاثة ذوو الصلة – ونتنياهو وليبرمان وأنا نجلس معهم ونريد أن نفهم، قبل أن نواصل، إذ لم يكن واضحا بما يكفي من نصوص هيئة الاركان وغيرها، هل توجد قدرة عملياتية».
* قلت ان غابي اشكنازي قال انه لا توجد قدرة، وهو يقول: ليس صحيحا، قلت انه توجد، ولكن هذه ليست فكرة جيدة؟
- «نعم، هذا مسجل. التعبير الذي استخدمه اشكنازي كان «هذا لم يصل الى مستوى قدرة عملياتية». في هذا عمليا يكون قد أخرج الهواء. سأل الناس مرات كثيرة هل يمكن القيام بمثل هذه العملية بخلاف موقف هيئة الاركان؟ يمكن، فقط لا يمكن القول بدلا منه انه توجد قدرة عملياتية».
*وفي 2011؟
- «السبب الذي بناء عليه دخلت الى حكومة بيبي، وكذا السبب الذي بناء عليه اقيمت كتلة «استقلال»، هو النووي الايراني. ليس صحيحا ما يقال، إنني التزمت في الانتخابات ان اكون في المعارضة. ما قلته هو ان الناخب يريد أن يرانا في المعارضة، وأنا اعتقد خلاف ذلك».
*والى الجحيم بالناخب؟
- «اعتقدت اننا علينا ان نكون في الائتلاف في هذا الزمن، وان الموضوع الايراني سيعالج بشكل افضل اذا كنت وزير الدفاع مما لو لم أكن. إذاً، مرة اخرى توجد مسيرة. وزعنا المهام، كان عليّ أن اتحدث مع اولئك الذين لا أمل منهم، وهم العسكريون، ومريدور وبيغن الملزمان بأن يحاولا رؤية اذا ما طرأ تغيير في موقفهم. وكان لليبرمان بعض الاشخاص، وكان على بيبي أن يجلب يوفال شتاينتس وبوغي. كنا نلتقي ثلاثتنا (نتنياهو، ليبرمان، وباراك) بين الحين والآخر لدى رئيس الوزراء».
*مع السيجار والبوظة الخضراء؟
- «بالضبط. وكنا نسأل، قولوا، هل يمكن العمل؟ الآن، عندما يأتي زمن معين، يكون هذا قريبا من المواعيد في الرزنامة التي ينبغي ان نعرف فيها اذا كنا ننظم أنفسنا لهذه الامكانية ام لا. عندها ذات يوم جمعة قال بيبي، «ممكن، هذا على ما يرام». قال، ان كل واحد تحدث مع من ينبغي ان يتحدث، ويمكن جمع الثمانية (المنتدى غير الرسمي الذي كان يبحث في هذه الامور) وهؤلاء هم اناس آخرون قليلا. وبعض الوزراء بدؤوا يطرحون الاسئلة. يوفال سأل سؤالا ما، بوغي سأل سؤالا ما. وعندها رأيت انهم ليسوا هناك على الاطلاق. ما قاله بيبي قبل بضعة ايام انه تحدث معهم، وان هذا على ما يرام – فإما الا يكون قد تحدث معهم أو ان يكون تحدث معهم ولم يقنعهم».
*يمكنني أن أفهم شدة الحرج.
- «سرت حول الطاولة، مرة اخرى كي أرى. قلت، هل يوجد لنا يوفال وبوغي؟ قال نتنياهو لي، لا يوجد، وكان هذا انطباعي ايضا، بأنهما ليسا هناك، وعندها ثار لدي لاول مرة التفكير بأنه يحتمل أن يكون بيبي، مع كل هذا الامر، لا يريد حقا ان يصل الى وضع تكون لنا فيه امكانية العمل، فقط ان ندور حول هذا المكان».
*فهل، إذاً، كان خطأ عدم الهجوم في 2011؟
- «هذا ليس مهما، إذ ان هذا لم يصل الى هذا الامر. وهذا بالتأكيد كان عديم المسؤولية، فلم نستعد لهذا بشكل جدي، ولم نسر حيال الأميركيين لنصل الى وضع لا يكونون فيه معارضين. كانت لي محادثات جد مهمة مع اوباما نفسه. كانت لنا عدة لقاءات ثنائية. وسأقول بداية ما لم يقله. لا هو ولا وزير الدفاع بانتا، قالا: «نحن لن نسمح لكم بعمل هذا»، او نحن نعارض. هو لم يقل مثل بوش، نحن نعارض بكل حزم».
*وماذا حصل في 2012؟ وكانت هذه في واقع الامر المرة الاخيرة التي يطرح فيها موضوع الهجوم؟
ـــ «قبيل الحدث نفسه، كان الأميركيون واثقين جدا بأننا نعتزم عمل هذا. كنت في واشنطن لدى وزير الدفاع الأميركي بانتا وهو يقول، «انظر، انتم تعرفون اننا نعارض، ولكن اي اخطار ستعطونه لنا اذا قررتم في النهاية أن تهاجموا؟» قلت له كم تعتقد أنك تحتاج؟ فقال لي اعتقد عشرة أيام، اسبوعين. قلت له ليس لدينا ولا حتى 24 ساعة. كنا نتحدث أفهم الحديث المبطن».
*ماذا فهمت؟
ــ «قلت له نحن نسمع، نحن نفهم، ونحن نبقي لأنفسنا الحق ولا يمكننا أن نحمل المسؤولية عن دولة إسرائيل لأحد آخر، بما في ذلك أنتم».
*إذاً، كيف لم يحصل هذا في النهاية؟
- «عندما يقترب الزمن نفسه، ينشأ الوضع في انه في هذه اللحظة لا يمكن عمل شيء، لاعتبارات عملياتية. يوجد هناك زمن قصير جدا قبل المناورة الأميركية التي تحصل في إسرائيل. من الواضح اننا اذا هاجمنا، فإن الأميركيين بالطبع سيكونون هم من سيتهمون بأن هذه المناورة كانت مؤامرة مشتركة إسرائيلية – أميركية. وهذه روايتنا الجيدة. اما الرواية الاسوأ فهي أننا ناورنا ضد الأميركيين لعمل هذا الامر. هذا امر كان محظورا اجتيازه وعمله. كل ما يقال غير ذلك هو هراء».
ياسر عرفات
*صف لنا لقاءك الأول مع عرفات؟
- «التقيته لاول مرة عندما كنت وزير الخارجية، قبل سنوات من ذلك، في مدريد. وصلت الى القصر مع الحراس، دخلت الى القاعة وكان فيها بيانو وبدأت أعزف. قلت للحارس، انه عندما يأتي عرفات أشر لي أن أتوقف. فعل هذا متأخراً، بعد أن كان عرفات وصل الى الغرفة. قلت له تابعتك 40 سنة عبر فوهة البندقية، ويسعدني أن ألتقيك، اعتقد انه توجد لنا مهمة وفرصة».
*أي رجل رأيت أمامك؟
- «في نظرة اولى، هو رجل هش، هش جسدياً. اضغط على يده... بقعة بيضاء على كل الجلد. ضغطة يده ضعيفة. اذا ما ضغطت بقوة فلن يبقى شيء في يدك. شخصية مسرحية بعض الشيء. رأيت صوره عن كثب كل السنين. حضرت خطة لتصفيته.
«في كل الاحوال، جلسنا بضع ساعات، لم يكن يبحث حقا في الامور. انت لا تتفاوض. فقد انتظر الكثير من الاحترام، وكان يقول لك انه الجنرال والمهندس الأهم، ولم يخسر أي معركة. أنا لا استخف به. رجل ذكي، وفي النهاية عنيد جداً. والآن، اسطورة «لو كان باراك فقط يتحدث على نحو اجمل ويقدم البقلاوة ببشاشة بدلا من التكشيرة لكانت الحركة الوطنية الفلسطينية ستتأثر جدا بالبادرة الطيبة، وكانت ستركع وتقول فقط قولوا لنا ما تريدون! تعالوا نجرِ التسوية، الآن. نحن لا يمكننا ان نصمد امام هذا الحب» – هذه ليست صحيحة. من كل رؤساء الوزراء في إسرائيل، انا الوحيد – ربما باستثناء موشيه شاريت – الذي يقرأ العربية، أنا الوحيد الذي تعلم بجدية مبادئ الإسلام».
*ولكن مشكلتك لم تكن ثقافية. فهي ليست أن تفهم السلوك البشري؟
- «أقول لك انه كان هناك احترام. ذهبت اليه، جلسنا هناك ساعتين. بعد ذلك كان عندي في البيت في كوخاف يئير».
* إذاً، أين اخطأت في كامب ديفيد؟
- «لا اعتقد أنني اخطأت في شيء، لم يكن ما يمكن الخطأ فيه».
* عندما عدت الى البلاد اطلقت عبارة ان لا شريك؟
- «مثلما قال اليمين ان باراك ازال القناع عن عرفات. بسبب ضعفي في اللغة الدقيقة قلت إن عرفات ليس شريكاً في هذا الوقت. والآن، كل كلمة كانت دقيقة. ولكن ماذا تبقى منه هو القسم الاول من الكلام. ما حصل لليسار الصهيوني هو تاريخ، وهذا بالتأكيد لا يرتبط بهذا الفعل او ذاك».
* هناك من يدعي بأنه بسبب فشل «كامب ديفيد» اندلعت الانتفاضة؟
ــ «كل فكرة تقول ان الانتفاضة الثانية اندلعت بسبب فشل كامب ديفيد هاذية. صحيح أن الامرين حصلا الواحد تلو الآخر، فإن يبلج الصباح لأن الديك صاح لا يعني أن الديك هو الذي ادى الى بلوجه. صعد شارون الى الحرم مساء يوم الخميس، والحقيقة انه لم يحصل هناك شيء. تناوش قليلا مع نواب عرب إسرائيليين. وفي الجمعة حصل الحظ السيئ الذي يمكن أن يحصل في مثل هذه الاوضاع. لم يكن هذا ملزما بأن يتدهور، ولكن قائد اللواء، الذي كان مجربا جدا، تلقى حجرا على رأسه وأخلي، وكان له نائب برأس ومزاج ساخنين. وهذا هو، كان تاريخا. اطلقوا النار – وهذا هو. يوجد لدينا شغب. انا من ناحيتي، بعد كامب ديفيد، عرفت انني فعلت كل ما يمكن كي امنع المواجهة».
* إذاً، انت راض عن نتيجة 12 قتيلاً؟
ـــ «ماذا يعني انني راضٍ؟ تربيت في عالم الفعل، انا شخص مع الاقدام على الارض. كانت هذه نتيجة أليمة وكان ينبغي عمل كل شيء كي لا يحصل مرة اخرى. تبقى هذه ندبة لدى العائلات، ولكن لا اعتقد انها يجب ان تحسم العلاقات معهم».
عن «يديعوت»