اليوم الخميس 30 يناير 2025م
رسالة ترامب لنتنياهو: ضرورة الاستمرار في تنفيذ الصفقةالكوفية الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة يعلن استشهاد القائد العسكري الكبير محمد الضيف وعدد من القيادات البارزةالكوفية أبو عبيدة يعلن استشهاد القائد العسكري الكبير محمد الضيف وعدد من القيادات البارزةالكوفية 110 أسرى يتنسمون الحرية في الدفعة الثالثة من صفقة طوفان الأقصىالكوفية بعد قليل.. كلمة مصورة مهمة للناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة عبر قناته على تيليجرامالكوفية وصول الأسرى التسعة المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية إلى قطاع غزةالكوفية مصادر فلسطينية: قوات الاحتلال تقتحم بلدة حوسان غرب بيت لحمالكوفية بدء الإفراج عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين ضمن اتفاق غزةالكوفية 14 إصابة بالرصاص والاختناق إثر اعتداء الاحتلال على المواطنين غرب رام اللهالكوفية مكتب نتنياهو: نستعد لبدء المفاوضات حول المرحلة الثانية من صفقة التبادلالكوفية كو المرشح لرئاسة «الأولمبية الدولية»: كان عليَّ تغيير طريقتي بشأن الجوائز الماليةالكوفية بيدري يمدّد عقده مع برشلونة حتى عام 2030الكوفية انطلاق حافلات الأسرى المحررين الفلسطينيين من سجن "عوفر" برام اللهالكوفية مراسلنا: قوات الاحتلال تعتقل شابا من مخيم شعفاط في القدس المحتلةالكوفية مكتب إعلام الأسرى: الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين سيتم عند الخامسة مساءالكوفية بالصور|| المقاومة تُفرج عن 3 أسرى إسرائيليينالكوفية الإعلام العبري: الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين سيبدأ الساعة 5 مساءًالكوفية «قناة السويس»: الظروف مهيأة لبدء عودة الملاحة تدريجياً بمنطقة البحر الأحمرالكوفية أمير قطر يلتقي في دمشق الرئيس الانتقالي أحمد الشرعالكوفية بعد الكارثةالكوفية

«طوفان الأقصى» ومسألة موازين القوى

11:11 - 30 يناير - 2025
عبد المجيد سويلم
الكوفية:

نتابع في هذا المقال هذه المسألة من نقطة جديدة، وهي نقطة مفصلية تكثّف إلى حدّ بعيد المنطلق الذي بنت عليه حركة حماس كامل إستراتيجيتها في هذه المواجهة.
وبما أن «طوفان الأقصى» ليس مجرّد معركة عسكرية عابرة، أو مجرد اشتباك ميداني أكبر كثيراً من أي مواجهة عسكرية مؤقتة، والمسألة في أبعادها المختلفة تخطّت بمراحل ودرجات أي مواجهة سابقة، وعلى امتداد أكثر من سبعة عقود من الكفاح الوطني لجهة التخطيط والإعداد والتنفيذ، ولجهة الوسائل والأساليب المبتكرة، ولجهة أدقّ تكنولوجيات العلوم العسكرية بقدر ما يتعلّق الأمر بإمكانيات قوى عسكرية محاصرة، وجرى توجيه ضربات قوية لها في حروب خمس شُنّت على قطاع غزّة.
سنعود إلى كلّ ذلك، وإلى النقطة المفصلية المكثّفة بعد أن نؤكّد على أنّ هناك ما يشبه الإجماع، من المؤيّدين ومن الرافضين والمعترضين على حدّ سواء على أنّ الانطلاق من الاختلال في موازين القوى بين قوى التحرّر الوطني وبين قوى الاحتلال والاستعمار لا يصلح بتاتاً كمعيار رئيس في قراءة حدث على هذه الدرجة من الضخامة كما كان عليه، وكما هو عليه «الطوفان».
وليس ميزان القوى بالذات هو وحدة قياس مبادرات قوى التحرّر الوطني في معارك التحرّر الوطني دون أن نهمل للحظة واحدة أنه واحد من الاعتبارات إلى جانب اعتبارات أخرى يعلو فيها ــ حسب الظروف الملموسة ــ اعتبار على آخر، أو يتنحّى فيها اعتبار لصالح اعتبار آخر.
أقصد أنّ الصفة والسمة المعيارية لمسألة توازن القوى وتحوّل هذه السمة والصفة إلى منطلق القراءة والأحكام ينطوي على مغامرة رؤيوية لدى أصحاب هذا النهج، ويخرج مسائل مثل، (المغامرة والمغامرة المحسوبة) من سياقها الجدلي الملموس، ويؤدّي في نهاية الأمر إلى نمطٍ من «الأُحادية» من خلال «حصريّة» التفسير والتأويل والتدليل.
ذلك أنّ المعيار في معركة بحجم «الطوفان» إضافةً إلى اعتبارات القدرة على القيام به، وتوفير متطلباته في ضوء قراءة سياسية لأهدافه وغاياته هي المعيار الأهمّ والأكثر تأثيراً على كلّ المستويات، وتجربة الصراع مع المشروع الصهيوني نفسه تثبت بما لا يدع مجالاً لأي شك، من معركة الكرامة ومروراً بسلسلة الاجتياحات في لبنان وصولاً إلى حصار بيروت، حيث كان ما يفرض المواجهة أحياناً، وما يفرض تجنّبها في أحيانٍ أخرى، وكانت المواجهات ضارية أحياناً وهجومية في مراحل معيّنة، ودفاعية فقط في مراحل وظروف أخرى، تثبت أنّ الأمر يعود للقراءة السياسية أوّلاً وأخيراً.
ولم تكن أحجام الخسائر وفداحتها ــ على أهمية وفداحة هذه الخسائر في تجربة «الطوفان» حتى الآن ــ هي معيار المغامرة من عدمها، ولم تكن درجة التوحُّش والهمجية والإجرام منطلقاً على صحّة أو دقّة القراءة من قبل حركات المقاومة الوطنية في تاريخ الصراعات التي نعرفها، ولم تكن المعارك الإستراتيجية في تاريخ كل الصراعات من وجهة نظر حركات المقاومة والتحرُّر الوطني سوى محطّات، وأحياناً محطّة فاصلة واحدة، نابعة أو منطلقة إلّا من فهمٍ سياسي، ومن قراءة إستراتيجية لطبيعة المرحلة، ولأهداف القوة الاستعمارية، وللمحدّدات الملموسة التي من شأنها إحباط هذه الأهداف من عدمها.
وهذه القراءة بالذات هي التي مهّدت الأرضية لـ»الطوفان» وليس أيّ قراءات أخرى، والمعيارية هنا ــ كما أرى ــ هي في الإجابة عن السؤال التالي:
هل كانت أيّ عملية ميدانية كبيرة، مفصلية، قوية وصادمة، مباغتة وتحمل كل صفات المفاجأة، وتحمل في طيّاتها أساليب مبتكرة وإبداعية، هل كانت «مغامرة» غير محسوبة، وعشوائية، وارتجالية أو استعراضية قياساً بالهدف والمنطلق الرئيسي والأوّل، والذي يتمثّل بإحباط أهداف الاحتلال بتصفية القضية الوطنية، وتوفيره كل الظروف للشروع التنفيذي بمشروع التصفية وحسم الصراع، وهل هناك من مشروعية أكبر من هذا الإحباط للقيام بها أم لا؟
الجواب الذي نخرج به من هذا السؤال هو المحدّد والمقرّر والحاسم، وليس غيره، ولا يمكن أن يكون غيره، وكلّ ما غيره مهما كان مهماً فهو أقلّ أهمية من أيّ تفسير أو قراءة أو استنتاج.
والجواب عن هذا السؤال أصبح قابلاً للقراءة، وقابلاً للتفسير، ولكنه لم يعد قابلاً لقراءات متعدّدة، متعارضة أو متناقضة إلّا في إطار المعيار الواحد، وهو بالفعل قابل للقراءات المختلفة فقط في حالة التعارض والتناقض مع المعيار نفسه، وليس بداخل هذا المعيار.
تأسيساً على كلّ هذا فإنّ المبادرة بـ»الطوفان» كانت في صلب قراءة سياسية لما وصلت إليه القضية الوطنية من حالات غير مسبوقة من التجاهل والتهميش كانت أشدّ وضوحاً من أن ينكرها أحد، مهما كان رأيه في مسألة «الطوفان»، إن كان لجهة «الإفصاح» الصهيوني المباشر والعلني والفجّ والفاضح، أو لجهة الخنوع الإقليمي العربي، والاكتفاء ببعض التصريحات الإعلامية الفارغة من كل مضمون، والخاوية في محتواها وشكل التعبير عنها، أو كان لجهة الإعلان الرسمي المعلن عن «ممر الهند» الاقتصادي الذي يشطب فلسطين من جغرافية الإقليم بتحويل حيفا إلى نقطة الاتصال المركزية التي تربط كامل مسار «الممرّ» من بومباي إلى حيفا، ومنها إلى أوروبا والعالم، والذي اعتبر أكبر مشروعٍ اقتصادي في تاريخ البشرية على مرّ كلّ العصور، والذي كان من شأن نجاحه أن يخرج فلسطين ليس فقط من الجغرافيا السياسية للإقليم، وإنما وحسب المفاهيم «التلمودية» التي يتبنّاها «اليمين» و»اليمين الفاشي»، تحديداً إخراج فلسطين ــ كقضية ــ من تاريخ الإقليم نفسه.
قد نتّفق كثيراً أو قليلاً على صحّة أو دقّة هذا المنظور لدى قيادات تنفّذت في صفوف «حماس»، وأصبحت تُمسِك بزمام الأمور فيها، وقد نتّفق أو نختلف على عبثية أو ارتجالية الإقدام على «الطوفان» في مسألة هنا وأخرى هناك، لكن الحقيقة أنّه ليس من الإنصاف، وليس من الموضوعية في شيء إنكار قراءة «حماس» لهذا الواقع.
و»حماس» عندما أقدمت على «الطوفان» فهي بوعيٍ كامل ــ كما أرى ــ قامت بمعركة إستراتيجية استباقية لوقف التدهور في حالة القضية الوطنية، بعد أن وافقت أميركا بالكامل ــ إن لم نقل اقترحت هي نفسها ــ مسار التصفية، وعندما أعطت لدولة الاحتلال الدور الجديد والمتجدّد في إطار الإستراتيجية الأميركية لقطع الطريق على الصين، وبمشاركة العرب في الخليج وغير الخليج، وبصمتٍ وتواطؤٍ أوروبي كان ظاهراً للعيان وبصورةٍ تدعو إلى «الشفقة» على ما وصلت إليه أوروبا من ذيلية، ومن التحاق بالركب الأميركي الجامح تماماً كما فعلت وكانت في الحرب على روسيا.
وقد أجد «الطوفان» بعد أن حقّق الصدمة القاتلة باهتزاز الكيان كلّه، وبعد أن تحطّمت صورة جيشه، وبعد أن ظهر عجز الدولة الأمنية الأولى في العالم على توفير هذا الأمن، وبعد أن تحوّل صاحب مقولة «الأمن أنا، وأنا الأمن» وهو نتنياهو إلى الرجل المذهول الأوّل في كل دولة الاحتلال، وظهر على الملأ وكأنه أفاق للتوّ من غيبوبة كاملة.
كانت «حماس» تدرك أنّ «الغرب» خسر الحرب في أوكرانيا، أو أنه يئس تماماً من ربحها، وكانت تدرك أنّ روسيا ربحت الحرب دون أن تتمكّن من حسمها، وكانت تعرف أنّ الصين قد ربحت المنافسة الاقتصادية، وضمنت عدم قدرة «الغرب» على تحويل تايوان إلى أوكرانيا جديدة، وكانت تتابع مسار «البريكس» ومؤتمرات عالمية كثيرة تتمحور حول تغيرات هائلة في موازين الصراع الدولي في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وكانت على معرفة دقيقة بما وصلت إليه حالة النظام العربي، وكانت تدرك وتعرف أنّها ستخوض هذه الحرب مستندة إلى قوتها أوّلاً وثانياً وعاشراً، دون إغفال درجات محسوبة ــ على ما أظنّ ــ من جملةٍ واسعة من المراهنات.
المراهنات لم تكن كلّها صحيحة، أو لم تكن دائماً دقيقة، وبعض المراهنات كانت خاطئة، لكن «حماس» كان يهمّها «قلب الطاولة»، وقد قلبت، وكان يهمّها إعادة فرض فلسطين على جغرافية الإقليم، وقد نجحت، وكان يهمّها أن تعمّق أزمة دولة الاحتلال وقد عمّقت، وكان يهمّها أن تمنعها من حسم المعركة في الضفة أوّلاً وقد منعت، وكان يهمّها أن تعرّي الرواية الصهيونية وقد عرّت، وكان يهمّها أن تكشف لشعوب الأرض، وشعوب «الغرب» على وجه التحديد والخصوص عن مدى الارتباط بين الدور والمكانة الإسرائيلية في الإقليم، وفي العالم بالمصالح «الغربية» وقد كشفت.
وعندما تكون عملية «الطوفان» قد حقّقت كل هذا كلّياً أو جزئياً في بعض الحالات فإنها ــ أي «حماس» ـــ أو هي على الأقلّ لم تقرأ المعادلة بمعزلٍ عن رؤيتها للمتغيّرات والتحوُّلات. أما المراهنات فهي مسألة تحتاج إلى معالجة منفردة في المقال القادم.

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق