- قوات الاحتلال تقتحم مدينة بيت لحم
لا ذنب لمن يصاب بمرض كوفيد 19 إلا أنه التقط الفيروس من شخص أو مكان ما. ولكن بعض الممارسات غير الأخلاقية في التعامل مع المصابين تجعل هذا الذنب خطيئة. وعندما يعجز الأطباء عن تقديم الإجابات الكافية حول طرق انتقال العدوى يُفتحُ الباب أمام الاجتهادات والخزعبلات و الفيسبوكيات التي تجعل (المكورنيين) ثلة من الخاطئين أو الملعونين أو المسكونين بالشياطين.
في الهند بدأت الحكومة مؤخراً بوضع أختام على أيدي الخاضعين للحجر والعزل، ولصق شعارات على أبواب منازلهم لضمان عدم خروجهم منها أو دخول أحد عليها. يذكرني هذا الختم الهندي بالحرف القرمزي الذي كان يوضع على صدور "الزانيات" في مدينة بوسطن الأمريكية خلال القرن السابع عشر.
في دول عربية لاحقت وصمة كورونا حتى الموتى. فأهملت جثث المتوفين بالجائحة على قارعة الطريق، واضطرت السلطات إلى استخدام القوة من أجل إجبار عائلات على دفن قتلاهم بالوباء. وبعد أن بلغ السيل الزبى كما يقولون خرجت مؤسسة الأزهر في مصر لتقول: "إن الإصابة بفيروس كورونا ليست ذنبا أو خطيئة ينبغي على المُصاب بها إخفاءها. لذلك لا يجوز إيذاء المُصاب بالوباء، أو الإساءة إليه أو امتهان من تُوفي جراءه، ولابد من إكرام الإنسان في حياته ومماته".
منظمة الصحة العالمية حسمت الجدل بشأن موتى كورونا، وأصدرت لهم صكوك براءة من نقل العدوى. ولكن من يصدر صكوك غفران لهؤلاء الذين قرروا التضحية بكبار السن من أجل أن يعيش الشباب في المستشفيات التي غصت بضحايا كورونا في القارة العجوز. ربما من فاضل بين العجائز والشباب على فراش الموت هناك كان مرغماً. ولكن ذلك لا يلغي حقيقة أن الفعل بحد ذاته يتعارض مع حق الإنسان في الحياة، وحقه في المساواة في فرص الحياة والموت.
كان العزاء في وصمة كورونا أنها تطال جميع المصابين دون تفرقة على أساس العرق أو الجنس أو أي شيء آخر. ولكن يبدو أنها بدأت تتجه مؤخراً إلى نوع من التمييز على أساس السكان الأصليين والمهاجرين. فثمة من يقول إن المهاجرين هم الآن نَقَلةُ الجائحة، ومن يواصلون نشرها حول العالم. والمهاجرون يقصد بهم هنا أولئك الذين يسافرون من دولة إلى أخرى بغرض اللجوء أو العمل أو الإقامة لسبب أو لأخر. بالإضافة لأولئك الذين يهاجرون داخل الدولة الواحدة، وغالبا ما يكون اتجاههم من الريف إلى المدينة والدافع هو العمل بالدرجة الأولى.
يعتبر العمال المهاجرون الأكثر تضررا من التداعيات الاقتصادية للوباء. أرقام منظمة العمل الدولية تتحدث عن 200 مليون عامل حول العالم غادروا الدول التي فقدوا عملهم فيها، إما إلى دول أخرى أو إلى أوطانهم الأصلية. بالإضافة إلى 750 مليون عامل عادوا من المدن إلى أريافهم لذات السبب. لا أحد يعلم كم من هؤلاء حمل معه الوباء إلى المكان الذي قصده. لذلك سارعت عدة دول إلى إغلاق حدودها، بينما منعت دول أخرى العمال من مغادرة المدن والعودة إلى مناطقهم وقراهم تجنباً لنقل الوباء إلى عائلاتهم. ثمة تعسف بحق الأفراد في التنقل بالحالتين ولكنه يبرر بجهود الدول لمحاصرة الوباء ومنع انتشاره فيها. أما التعسف غير المبرر فيكمن في إجبار عامل على البقاء في المدينة دون طعام أو شراب، أو تركه على الحدود يفترش الأرض ويلتحف السماء، دون مساعدة في غذاء أو دواء.
هناك ما هو أسوأ من إغلاق الحدود أمام العمال المهاجرين الموصومين بالوباء أو عزلهم في أماكن إقامتهم. وهو تشغيلهم دون الاكتراث بمعايير الحماية من الوباء. أو تشغيلهم وهم يعانون كورونا أصلاً، ومن ثم عدم الاعتراف بأية تعويضات مالية لهم عندما يفارقون الحياة بسبب هذا المرض أو غيره. هكذا يعيش العمال المهاجرون الذين تستخدمهم قطر من أجل استضافة بطولة كأس العالم عام 2022.
ولا يبدو حال المهاجرين اللاجئين لأغراض إنسانية بأفضل من المهاجرين العمال. فهم لا يمتلكون رفاهية العودة إلى الوطن. ولا خيار أمامهم سوى البقاء في مخيمات مكتظة بمن يعيشون بأقل من أساسيات الحياة. حماية هؤلاء لا تندرج على أجندة أولويات أي دولة حول العالم الآن، ولا يُشِعرُ ذلك أحد بالخجل في الغرب والشرق. بل على العكس يدفع برئيس وزراء المجر فيكتور أوربان للربط بين اللاجئين والوباء، والقول إن الفيروس جاء به الأجانب إلى القارة الأوروبية، وهو ينتشر بينهم.
يمثل أوربان تيارا واسعاً من اليمين الشعبوي في الغرب سيستغل أزمة كورونا للتعبئة ضد اللاجئين والمهاجرين لأقصى درجة ممكنة. وعلى الرغم من هذا لن يكون إغلاق الأبواب في وجههم كما يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأشباهه الشعبويين حول العالم أن يفعلوا، هو الضرر الوحيد الذي قد يطالهم. ثمة دعوات يمينية في دول غربية للاعتداء عليهم في تجمعاتهم ومخيماتهم. كما تحذر تقارير مختصة من أزمات نفسية كبيرة قد يعيشها اللاجئون والمهاجرون لاحقاً بسبب الوباء، كذلك تحذر تقارير أخرى من عودة ملحوظة لنشاط التنظيمات إرهابية مثل داعش ، في استقطاب هؤلا عبر إقناعهم بأنهم الفئة المستضعفة التي تنتظرها الجنة بمجرد أن تضغط على زناد قنبلة أو مسدس يقتلان بهما "الكفار".