رام الله: تعيش السلطة الفلسطينية أزمة خلافات داخلية كبيرة، وتخبّط في السياسات الخارجية، ورهنها لمصالح الفصائل والقيادات على حساب القضية الفلسطينية، ومن هذه الأزمات؛ الانقسام الداخلي، وتأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والقمع السياسي بين الفلسطينيين أنفسهم، وأزمة الرواتب، والخلافات بين السلطة الفلسطينية وعدّة دول عربية.
وفي خضمّ ذلك؛ جاء الإعلان عن لقاء بين حركتَي فتح وحماس في أنقرة، وتبعه اتصال هاتفي بين الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، ونظيره التركي، أردوغان، وطلب الأول من تركيا رعاية المصالحة الداخلية، والإشراف على الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها، ثم جاء قرار أبو مازن بالتخلي عن رئاسة الدور الحالية لمجلس الجامعة العربية، والتغيّب عن حفل توقيع اتفاقية غاز شرق المتوسط.
هذه التطورات دفعت مراقبين للحديث عن تدشين عباس محوراً جديداً مع تركيا، يضمّ السلطة وحماس وتركيا، ومن ورائهم إيران وحزب الله، والعجيب أنّ التقارب الفلسطيني مع تركيا يأتي في وقت تُصعّد فيه من هجومها على دولتَي الإمارات والبحرين، بسبب توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، فهل يعالج أبو مازن ذلك بالتقارب مع تركيا، صاحبة أقوى وأمتن علاقات تجارية وعسكرية وأمنية مع إسرائيل في المنطقة، أم إنّه يفتش عن دعم حماس ليظلّ رئيساً رغم أنف الفلسطينيين؟
بدأت حركتَا، فتح وحماس، اجتماعاً في العاصمة التركية، أنقرة، لبحث ملف المصالحة، الثلاثاء 22 أيلول سبتمبر الجاري، وصرّح عضو المكتب السياسي لـ "حماس"، موسى أبو مرزوق، عن الاجتماع قائلاً: إنّه "يأتي امتداداً للقاءات والحوارات بين القوى الفلسطينية لتطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل، الذي انعقد في رام الله وبيروت مطلع شهر أيلول هذا العام".
وكان اجتماع الأمناء، الذي عُقد في الثالث من الشهر الجاري، قد توصّل إلى؛ إنشاء قيادة وطنية "ميدانية" تمثّل جميع الفصائل، بغرض قيادة المقاومة والنضال الفلسطيني، وتشكيل آلية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام الداخلي المستمر منذ عام 2007، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد الشعب الفلسطيني داخلها، وفق رؤية مُتفق عليها خلال خمسة أسابيع.
سبق أن جلب التقارب مع إيران الكراهية الشعبية لحماس، وفقدت الحركة شعبيتها، حين انخرطت في مشروع الإخوان المسلمين وتركيا وقطر، بدلاً من النأي بنفسها عن سياسة المحاور
وناقشت حركتا، فتح وحماس، عقد الانتخابات التشريعية وفق آلية التمثيل النسبي، في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، دون حديث عن الانتخابات الرئاسية.
وبحسب تصريحات السلطة الفلسطينية؛ تأتي هذه الخطوات لمواجهة صفقة القرن، واتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، والتطبيع.
ورغم ذلك؛ وقعت السلطة في تناقض مع ما أعلنته، حين توجهت إلى تركيا لرعاية ملّف المصالحة، رغم العلاقات الوطيدة التي تجمع تركيا وإسرائيل، ما يوضح أنّ هناك نية أخرى لدى الرئيس أبو مازن.
وتكشف الملاحقات الأمنية من قبل السلطة لقيادات التيار الإصلاحي في حركة فتح عن هذه النية؛ فأبو مازن يريد من التقارب مع تركيا أن تدفع حركة حماس للقبول به رئيساً، كي يتصدّى بها للمطالبات بعقد الانتخابات الرئاسية، أو يضمن تصويتها له في حال اضطراره للذهاب للانتخابات.
وحول ذلك، يقول القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا: "الرئيس أبو مازن يريد أن يظلّ في منصبه، ولهذا يبحث عن صفقة مع حماس برعاية تركيا وقطر، تقوم على المحاصصة".
ويحلّل نائب مفوض الإعلام بتيار الإصلاح الديمقراطي بغزة، طاهر أبو زايد، خطوة أبو مازن بقوله: "أبو مازن يستعين بتركيا وقطر للالتفاف على التيار العروبي الذي تقوده مصر والسعودية تحديداً، والتنصّل من الالتزامات المترتبة على انخراطه في المحور العربي، وخصوصاً ما يتعلق بآليات تحقيق الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة الفتحاوية الداخلية".
ولتحقيق التقارب مع حماس، سيقدم أبو مازن تنازلات كبيرة لصالحها بدايةً من تقاسم المجلس التشريعي معها، وفتح الطريق لها للانضمام إلى منظمة التحرير.
وحول ذلك، يقول طاهر أبو زايد، "الذهاب إلى تركيا برعاية وتمويل قطري يعني نقطة إضافية تسجلها حماس في ملعب أبو مازن، وهدف ذاتي سجله الأخير في مرماه، بمحاولاته المتعددة للتهرّب من استحقاق الرعاية المصرية للمصالحة الفلسطينية، وسيكون أكبر الخاسرين في المدى المنظور".
وعن مكاسب حماس، يقول الفرا، "حماس تريد أن يكون لها حضور في منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا حقّها ومن الخطأ أن نعتمد نظام المحاصصة، ويجب أن نعمل جميعاً على إصلاح مؤسسات منظمة التحرير، ولن يكون ذلك إلا عبر انتخاب المجلس الوطني، أينما استطعنا ذلك، والتوافق يكون فقط في أماكن التواجد الفلسطيني التي لا تسمح بإجراء الانتخابات".
الصحفي طاهر أبو زايد، الذهاب إلى تركيا برعاية وتمويل قطري يعني نقطة إضافية تسجلها حماس في ملعب أبو مازن، وهدف ذاتي يسجله الأخير في مرماه
ويردف الفرا: "نحن في حاجة إلى إجراء مراجعة جادة، نعيد من خلالها الدور الفاعل للمنظمة التي تشكّل مظلة للسلطة الفلسطينية، بعد أن تمّ تهميشها لصالح السلطة الوطنية، وأيضاً تسعى حماس من وراء الاتفاق لإفساح المجال لها للعمل في الضفة الغربية".
ويرى الإعلامي الفلسطيني، محمد درويش؛ أنّ المشروع السياسي لأبو مازن أخفق، كما فشل في تحقيق المصالحة الداخلية، وبات همّه البقاء في رئاسة السلطة، ولذلك طرح الانتخابات التشريعية لتقاسم المجلس التشريعي مع حركة حماس، مقابل دعمه.
ويقول درويش، "يستفيد أبو مازن من غياب دور فاعل ومؤثر للفصائل الأخرى في الوقت الحالي، وغياب الشخصية المؤثرة، محمد دحلان، عن المشهد، في ظلّ عداء أبو مازن مع المحور العربي، المتمثل بالرباعية العربية".
وكسبت تركيا من خطوة أبو مازن الكثير؛ فاليوم ستظهر أمام الشعوب العربية على أنّها راعية المصالحة الفلسطينية، وتروّج بأنّها احتضنت الفلسطينيين بعد تخلي العرب عنهم، وتدعم نفوذها في فلسطين، وتوطّد لحماس، المنتمية أيديولوجياً للإخوان المسلمين الذين ترعاهم، وتستخدم ذلك في مهاجمة الإمارات والبحرين، رغم علاقاتها الوطيدة مع إسرائيل.
وتعليقاً على ذلك؛ يقول القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا: "بنت القيادة الفلسطينية، على مدار العقود السابقة، سياستها بالنأي بالقضية الفلسطينية عن الخلافات بالمنطقة، لكنّ الدفع بالقضية نحو تركيا وقطر يتناقض مع هذا المبدأ، والأهم أنّ أردوغان أشبعنا بتصريحاته الشعبوية، دون أن نجد منه شيئاً ملموساً يخدم فلسطين، بل ازدادت علاقة تركيا بدولة الاحتلال بشكل كبير في عهده، سواء على مستوى التبادل التجاري، والذي قفز خلال الأعوام الأخيرة من مليار دولار، إلى ما يقارب الـ 6 مليار ات دولار، خلاف التعاون العسكري".
ويردف الفرا "نحن ندرك أنّ أردوغان يستغل القضية الفلسطينية بما تمثّله من بعد، ديني وقانوني وأخلاقي، في تحقيق مآربه الشخصية التي يقدم فيها نفسه على أنّه خليفة المسلمين، ولإخفاء المشكلات الداخلية التي يعاني منها، سواء داخل حزبه، أو على الصعيد الاقتصادي، وتدهور سعر الليرة التركية".
ويرى الإعلامي الفلسطيني، درويش؛ أنّ "أبو مازن يدرك أنّ سياسة تركيا نفعية، ويريد منها التوسط مع إسرائيل، كما يستقوي بها في مواجهة القائد القوي، دحلان، لمنع ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كوّنهما يتشاركان العداء له".
سيؤدي التقارب مع تركيا إلى غضب معظم الشعوب العربية على الفلسطينيين، ورغم أنّ هناك كثيرين ممن يميزون بين القضية والفصائل والقيادات، إلا أنّ الأغلبية لن يدركوا هذا الفصل.
وسبق أن جلب التقارب مع إيران الكراهية الشعبية لحركة حماس، وفقدت الحركة شعبيتها، حين انخرطت في مشروع الإخوان المسلمين وتركيا وقطر، بدلاً من النأي بنفسها عنهم.
وفي السياق ذاته؛ يقول أبو زايد: إنّ "الارتماء في أحضان تركيا في هذه الظروف يعني الانضمام إلى محاور طالما دفع الفلسطينيون ثمن انخراطهم فيها، وهو اصطفاف سيجرّ ويلات كثيرة على الشعب الفلسطيني، إن تواصل وتطور في المستقبل".
ويتابع أبو زايد: "الشعوب العربية واعية بما فيه الكفاية، وتدرك حقيقة الدور التركي في المنطقة العربية، وتعرف التاريخ التركي؛ حيث ذكريات التجهيل والتجويع ونهب الثروات، ومن يختار تركيا على حساب عروبته سيجد نفسه وحيداً وسط بحرٍ عربيٍ يضمر الإدانة للسلوك التركي".
من غير المتوقع أن تفيد تركيا فلسطين بشيء، بل ستجعلها رهينة لإدارة علاقاتها مع إسرائيل، وتستخدمها في تحقيق أطماعها، وهو ما بدأ بشكل سريع، حين امتنعت فلسطين عن ترأس دورة الجامعة العربية، وعن حضور حفل توقيع اتفاقية غاز شرق المتوسط، الذي عُقد الثلاثاء 22 أيلول (سبتمبر) الجاري، وتزامن مع انطلاق اجتماعات فتح وحماس في أنقرة.
وتعليقاً على ذلك؛ يقول أسامة الفرا: "ما نخشاه أنّ التقارب مع تركيا لن يفيد القضية الفلسطينية، ولن نجني منه سوى تصريحات شعبوية تتناقض مع واقع العلاقة بين أردوغان ودولة الاحتلال".
ويتابع القيادي بحركة فتح: "لمثل هذه العلاقة انعكاسات سلبية كبيرة على القضية، خاصةً فيما يتعلق بعمقها العربي، الذي شكّل دوماً الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة".
وكانت آخر انتخابات تشريعية قد عُقدت عام 2006، وفازت حركة حماس بالأغلبية، بعد حصولها على 74 مقعداً من أصل 123 مقعداً، وفازت فتح بـ 45 مقعداً، وشكلت حماس حكومتها، ثم حدث صراع بين فتح وحماس، كرّس الانقسام بين الضفة وغزة إلى اليوم.
نقلا عن "حفريات"