في الـ27 من يوليو/ تموز الماضي، أعلن الأسير ماهر الأخرس المنحدر من قرية سيلة الظهر قضاء مدينة جنين أمام عائلته وجنود الاحتلال الذين جاؤوا لاعتقاله أنه مضرب عن الطعام منذ تلك اللحظة وأن لا شيء يستدعي اعتقاله غير التنغيص عليه ومضايقته.
ومنذ ذلك الوقت يواصل الأسير الأخرس، البالغ من العمر 49 عاما، التصدي بأمعائه الخالية للانتهاكات المتواصلة التي تُرتكب ضده داخل معتقلات الاحتلال، حيث دخل يومه الـ67 للإضراب رفضا لاعتقاله الإداري.
خدعة تجميد الاعتقال
عبر فيديو مسرب قبل أيام، عرفت عائلة الأخرس آخر أحواله الصحية، وأدركت أن خطرا كبيرا يتهدد حياته في مستشفى كابلان الإسرائيلي، حيث يقبع منذ بضعة أسابيع.
الأسير الأخرس أكد تعرضه لتهديدات خطيرة تهدد حياته في المستشفى الإسرائيلي، حيث لم تعرف زوجته ولا أي من عائلته تفاصيل أوضاعه الصحية قبل هذا الفيديو، الذي قيل إنه سُرب بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي تجميد الاعتقال الإداري له عند 4 أشهر فقط.
وظهر الأسير الأخرس في الفيديو متحدثا بصوت خافت وجسم هزيل، ليخبر الجميع بسوء حاله الصحي، وتعنت الاحتلال في إطلاق سراحه رغم ذلك، قائلًا إن "تجميد القرار الإداري ليس إلا خدعة إسرائيلية لإنهاء الإضراب، وإن ذلك لن ينطلي عليه، وإنه مستمر في إضرابه".
من جانبه اتهم نادي الأسير سلطات الاحتلال بتعمد المماطلة في الاستجابة لمطلب الأسير الأخرس حتى يصل إلى وضع صحي صعب وخطير، يتسبب له في مشكلات صحية يصعب مواجهتها لاحقا، وهذا ما تعمدت فعله مع غالبية حالات الأسرى الذين خاضوا إضرابات عن الطعام لفترات طويلة.
قلق كبير
منذ اعتقاله، منع الاحتلال زوجته أو أي أحد من أبنائه من لقاء والدهم في السجن أو حتى في المستشفى، واقتصرت الزيارة على محاميه ولمرتين أو ثلاث فقط وبعد شهر أو أكثر من اعتقاله.
وتترقب عائلة الأسير أي أخبار تصلهم عن ابنهم الأسير، ويعيشون قلقا غير مسبوق عليه خاصة أنه يعاني من ارتفاع في ضغط الدم، وإن الإضراب قد يزيد في إصابته بالأمراض، أو تلف في أعضائه الداخلية.
ولا تنقطع والدة الأخرس، الحاجة خيرية 72 عاما، عن الدعاء بتثبيت نجلها الأسير وهي تمسك بسبحتها لكنها لا تخفي تخوفها عليه، قائلة "لو كان جبلا سينهار، ولن يتحمل جسده أكثر من ذلك".
إما الحرية أو الشهادة
في رسالته من مستشفى كابلان الإسرائيلي، أكد الأسير ماهر الأخرس، أنه يواجه ظروفا صحية خطيرة للغاية، قائلا "شرطي الوحيد الحرية.. فإما الحرية وإما الشهادة، وفي الجانبين انتصار لشعبي وللأسرى".
وتابع "إضرابي هذا هو إعلان لحال الأسرى التي وصلوا إليها، ودفاع عن كل أسير فلسطيني، وعن شعبي الذي يعاني من الاحتلال، وانتصاري في هذا الإضراب هو انتصار للأسرى وشعبي الفلسطيني، إما منتصر وراجع إلى شعبي منتصرا، أو شهيدا، وشهادتي هي قتْل من جانب الاحتلال لي، وليس بيدي، فبيدهم الإفراج وبيدهم الاعتقال".
بدي بابا يطلع
"بدي بابا يطلع.. ويوديني على المدرسة".. كلمات مؤثّرة للطفلة "تقى" ابنة الأسير المضرب عن الطعام ماهر الأخرس.
الطفلة "تقى" التي هزت بكلماتها البريئة الجميع خلال إحدى الوقفات التضامنية منذ أيام مع والدها المضرب عن الطعام تطالب العالم بالتحرك للإفراج عن والدها حتى يتمكن من اصطحابها إلى المدرسة ومن تناول طعامه وشرابه كباقي البشر.
ليس الاعتقال الأول
ولد الأسير ماهر الأخرس في تاريخ الثاني من أغسطس/ آب عام 1971م، في بلدة سيلة الظهر في جنين، وهو أب لستة أبناء أصغرهم طفلته "تقى"، وتبلغ من العمر ستة أعوام، وكان يعمل قبل اعتقاله في الزراعة.
ولم تكن هذه المرة الأولي لاعتقاله، حيث اختطفته قوات الاحتلال لأول مرة عام 1989م واستمر اعتقاله في حينه لمدة سبعة أشهر، والمرة الثانية عام 2004 لمدة عامين، ثم أُعيد اعتقاله عام 2009، وبقي معتقلا إداريا لمدة 16 شهرا، ومجددا اعتقل عام 2018 واستمر اعتقاله لمدة 11 شهرا، وفي تاريخ 27 يوليو/ تموز 2020 اعتقل مجددا وحولته سلطات الاحتلال إلى الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر وجرى تثبيتها لاحقا، ولجأت المحكمة مؤخرا إلى تجميد اعتقاله الذي لا يعني إنهاءه، وما هو إلا خدعة ومحاولة للالتفاف على الإضراب.
المعركة التي يقودها الأسير الأخرس لم تجد -حتى الآن- حلولا جدية من الاحتلال، خاصة في ظل تأكيد نادي الأسير أنه يعاني ظروفا صحية خطيرة وصعبة في مستشفى كابلان الإسرائيلي، حيث يحتجزه الاحتلال منذ أكثر من شهرين بعد نقله من سجن عيادة الرملة، حيث يرفض علاجه أو إجراء الفحوصات الطبية له.
ورغم التعنت الإسرائيلي مع الأسير الأخرس، إلا أن حالة الصمود التي تربّى عليها، جعلته يعلنها مدوية.. فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا.