الكوفية:عززت المعجزة الاقتصادية الصينية اعتقاداً شائعاً بأن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً صينياً، كما كان القرن العشرون قرناً أمريكياً، لكن الأدق أن يقال إن القرن الحالي هو قرن المواجهة بين العملاقين، ومن المستحيل التنبؤ باتجاه وتطور ونتيجة هذا الصراع في الوقت الحالي.
لن تسمح الولايات المتحدة للعملاق الأصفر بأن ينتزع منها القيادة، أو يستحوذ على مكانها ومكانتها في العالم. وتطلق أمريكا على الصين اسم المنافس، لاعتبارات دبلوماسية مفهومة، لكن استراتيجيتها لا تدع مجالاً للشك في أنها تعتبرها عدواً حقيقياً يجب التصدي له وتقويض فرص وإمكانات صعوده وتمدده بكل الطرق الممكنة. آخر الأمثلة على هيمنة الهاجس الصيني على فكر صانع القرار الأمريكي كان ما أعلنته واشنطن من مبررات لانسحابها من أفغانستان.
ففي معرض تبريره للقرار، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن الانسحاب سيضمن التركيز على أولويات السياسية الخارجية وفي مقدمتها التصدي للصين، وتوجيه كل الطاقات لضمان التفوق الأمريكي في المنافسة معها.
وعلى الرغم من التأييد الواسع الذي تحظى به فكرة الانسحاب وضرورة التصدي للتهديد الصيني، إلا أن هناك في المقابل معارضة قوية للربط بين العنصرين على أساس وجهة نظر تقول إن الانسحاب من أفغانستان لا يعزز بالضرورة قدرة واشنطن على مواجهة المنافسة مع الصين، بل قد يحدث العكس.
بقاء أمريكا في أفغانستان، وفقاً لهذا الرأي، يدعم قدرتها على مواجهة الصين. والفوائد التي تروج إدارة بايدن أن الانسحاب سيحققها غامضة وضبابية على حد تعبير مجلة «أطلانتك» التي نشرت تقريراً شاملاً بأهم الأسانيد التي يطرحها الرافضون للانسحاب.
وقبل عرض هذه الأسانيد نشير أولاً إلى المبررات الأساسية الثلاثة التي تعلنها الإدارة لتبرير قرارها وتسويقه على أنه يدعم المعركة مع الصين. المبرر الأول هو الاستفادة من الموارد والإمكانات العسكرية الضخمة الموجودة في أفغانستان ونقلها إلى مناطق أخرى في آسيا وفقاً لضرورات المواجهة مع الصين. والسبب الثاني هو تسخير وقت وجهد الدبلوماسية الأمريكية للتركز على الصين بدلاً من الغرق في المستنقع الأفغاني. والمبرر الثالث: هو توفير نفقات الوجود العسكري في أفغانستان.
الرافضون للانسحاب يفندون الأسانيد الثلاثة، وأولها ما يتعلق بالجانب العسكري، موضحين أن بقاء القوات الأمريكية ضروري لمنع سقوط الحكومة الأفغانية وسيطرة «طالبان» على الحكم، وهو إن حدث، وسيحدث على الأرجح، سيصب في مصلحة الصين التي ستتخلص من دون أي مجهود من حليف أمريكي في كابول، وبالتالي تكون واشنطن قد منحتها هدية مجانية. كما أن القوات الأمريكية التي لا يزيد قوامها على لواء لن تكون مؤثرة في أي مكان تنقل إليه، ولن تضيف الكثير للقدرات الأمريكية في آسيا إذا تم نشرها هناك. وبالتالي، فإن وجودها في أفغانستان أكثر فائدة لأمريكا.
جانب مهم آخر، وهو أن الانسحاب لن يوقف العمليات العسكرية أو الاستخبارية ضد بؤر الإرهاب هناك، لكن سيتم الاعتماد فيما بعد على الهجمات الجوية انطلاقاً من قواعد بعيدة، ما يزيد من مدة الرحلة وكلفتها، ويستلزم الاعتماد على عدد أكبر من الطائرات.. والمحصلة زيادة التكاليف.
أما الادعاء بأن الانسحاب سيتيح للدبلوماسيين الأمريكيين التفرغ للملف الصيني فإن العكس هو ما سيحدث، لأن الأزمات التي سيخلقها ستستنزف جهدهم ووقتهم، خاصة بعد أن تغرق أفغانستان في فوضى عارمة يكاد يكون من المؤكد حدوثها.
المبرر الأخير الذي تطرحه الإدارة وهو توفير النفقات يبدو صحيحاً، لكن حجم التوفير أقل كثيراً مما يعتقد. ففي كل الأحول سيتم الإنفاق على القوات المنسحبة أياً كان المكان الذي ستنتشر فيه. كذلك سيستمر تمويل الجيش الأفغاني والحكومة نفسها. فضلاً عن تكاليف الغارات الجوية.
الأسابيع المقبلة ستظهر أي الفريقين على حق. غير أن المؤكد أن الفوضى التي سيفجّرها خروج أمريكا في هذا التوقيت وبهذه الصورة لن تظل حبيسة الحدود الأفغانية طويلاً. وحتى لو لم تكسب الصين شيئاً منها فلن تكون في مصلحة واشنطن.
صحيفة الخليج