غزة – عمرو طبش: بصوتٍ مختنق مشبوب بالشوق والحنين لرؤية والدتهم المغيبّة عنهم منذ ست سنوات، اعتقلها عدوٍ مجرم لا يرحم تفريق الأبناء عن الأم، وانسلخت الروح عن الجسد لتتجسد بعدها أبرز معالم القهر والوجع، فالأطفال في شقٍ من الوطن والأم في غياهب سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويبقى الجلاد والحاكم واحدا.
باق من الزمن 79 يوما
"وقتيش ماما حترجع، اشتقنالها"، سؤالٌ يردده دائمًا أطفال الأسيرة نسرين أبو كميل مع كل صباح، ومع كل شروق للشمس ينزعون ورقة جديدة، من روزنامة وضعوها داخل غرفتها، ليبدأ العد التنازلي، "باقٍ من الزمن 79 يوماً".
سنوات الغياب
تروي الطفلة ملك أبو كميل "15 عاماً" تفاصيل معاناتها خلال غياب والدتها عنهم منذ 6 سنوات لـ"الكوفية"، قائلةً: "لما انحبست ماما في سجون الاحتلال كان عمري 11 عاماً، احنا عملنالها رزمانة لآخر100 يوم راح تقضيهم في السجن، حتى نشطب كل يوم بيومه بيمر لالها بفارغ الصبر".
وأوضحت أنها عانت الويلات هي وأشقاؤها خلال اعتقال والدتها على مدار 6 سنوات، حيث افتقدوا كل معاني وأجواء الفرحة في الأعياد والمناسبات، خاصةً في شهر رمضان كانت مائدة الطعام تنقصها.
البنت أصبحت أمًا
وبينت أبو كميل، أن شقيقتها الأكبر داليا التي كانت تبلغ من العمر "13 عاماً" في ذلك الوقت، هي من تحملت مسؤولية البيت بشكل كامل، وأخذت مكان الأم لتتولى تربية إخوتها، مضيفة "هذي المسؤولية مش أي حد بيقدر يتحملها لأنه مسؤولية كبيرة وصعبة واحنا كلنا أطفال وما بنعرف نعمل حاجة، كنا بنتمنا كل يوم تكون معنا ماما عشان تلبيلنا كل حاجة".
وأكدت أن خبر اعتقال والدتها قبل 6 سنوات شكل لهم صدمة كبيرة، خاصةً أنهم كانوا أطفالاً وأعمارهم صغيرة، لا يتحملون غياب الأم عن المنزل لحظة واحدة، مكملةً أنه على الرغم من أن والدها كان يخفف عنهم، ولكنهم ما زالوا يعيشون الصدمة حتى اللحظة.
وأوضحت أبو كميل "نفسي الـ79 يوم يعدوا بسرعة لأنه الـ79 يوم حيكونوا عن 6 سنوات وأكثر، بحس الدقيقة عن ساعة لما تمر، عطول أي يوم بيمر بنشطبه من الروزمانة".
تفاصيل الاعتقال
وعن ظروف اعتقال الأسير أبو كميل قال حازم أبو كميل زوج الأسيرة نسرين إنه تم اعتقال زوجته 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، بعد استدعائها من إدارة حاجز ايرز – بيت حانون التابعة للاحتلال الإسرائيلي، بحجة تسلّم إقامة للعمل داخل أراضي الـ48.
وتابع، توجهت الأسيرة إلى حاجز ايرز لتسلم الإقامة، ولكنها عندما وصلت المكان على الفور، قامت أجهزة مخابرات الاحتلال باعتقالها والتحقيق معها، مبيناً أنها تعرضت للضرب المبرح والتعذيب بشتى أنواعه، وكانت تقضى أكثر من 9 ساعات متواصلة على الكرسي وهي مكبلة خلال التحقيق.
24 محاكمة
وأكد أبو كميل أنها تعرضت خلال فترة اعتقالها لـ24 محاكمة إسرائيلية، ولكن في المحاكمة الأخيرة تم محاكمتها بالحبس لمدة 6 سنوات داخل سجون الاحتلال، وأوضح "عندي سبع أطفال، منهم أربع بنات وثلاثة أولاد، عندما اعتقلت والدتهم كان أصغر ولد عمره لا يتجاوز الثمانية شهور، وكان أكبرهم 13 عاماً".
اليوم الصعب
وبين أبو كميل أن أصعب يوم مر عليهم وصفه بـ"المأسوي والعذاب"، لحظة وصول اليهم خبر الحكم عليها بالسجن لمدة 6 سنوات، قائلا "أنا تلقيت الخبر وأنا ماشي في الشارع تعرضت لصدمة كبيرة، حسيت حالي أنا الطفل مش الأب للأطفال".
وقال إنهم ينتظرون انتهاء الـ79 يوماً بفارغ الصبر، مؤكداً أن يوم الإفراج عنها سيعوضهم عن السنوات المريرة التي عانوها خلال فترة الاعتقال.