ما أن ظهرت التقارير التي تحدثت عن ميل نفتالي بينيت رئيس حكومة دولة الإحتلال، الى السماح لقطر بنقل حقائب المال لغزة؛ حتى سارع مكتب بينت في يوم العمل الأسبوعي الأول أمس، الى الإعلان عن التزام رئيس الحكومة، بخطة من شأنها تحديد كيفية إيصال المال الى غزة دون استخدامه في ما يُسمى "الإرهاب" على حد زعمه!
مكتب بينيت قال، إن ما تم الإعلان عنه مسبقاً، بخصوص "تنظيم" المنحة القطرية، عن طريق الأمم المتحدة، لكي يستفيد منها المحتاجون في قطاع غزة، دون حماس، ما يزال هو الخيار، والتدبير المقبل حتى الآن، هو أن تتحول قيمة المنحة لكل أسرة، الى قسائم شراء تصل الى العائلات مباشرة، وليس الى دراهم نقدية. وجاء في هذا التصريح، ما يؤكد على أن أسلوب الحقائب المعبأة بالأروراق النقدية، لن يعود. فــ "الجيش يدرس البدائل، وعند العثور على بديل مُستدام، يقدمه غانتس الى بينيت، لكي ينظر فيه ثم يقرر"!
المزاودون على بينيت وغانتس، مثل أفيغدور ليبرمان وزير المالية، ظلوا على مر الفترات السابقة، يعارضون نقل قطر الأموال الى غزة، وهؤلاء يرفضون ما اعتبروه "شراء التهدئة النسبية" من جانب حماس، مقابل تلبية القليل من الإحتياجات الإنسانية للفقراء من السكان!
النظام المصرفي للأمم المتحدة، وفر طريقة يعتبرها المحتلون مناسبة، لإيصال المساعدات النقدية للأسر المحتاجة. وإسرائيل من جانبها، حرصت على أن تمر رواتب موظفي الخدمة المدنية في غزة، عبر قنوات مصرفيه تحت إشرافها. غير أن البنوك الفلسطينية التي وافقت مبدئياً على هذا الإجراء، عادت ورفضت خوفاً من اتهامها بتمويل "الإرهاب". ويُلاحظ هنا، أن الجانب الرسمي الفلسطيني غائب، ولا يبادر الى طلب تسوية موثقة مع الجانب الإسرائيلي، مثلما يبادر الى التنسيق الأمني، أو مثلما يجري العمل على التوصل الى تفاهمات متعلقة بالشؤون المدنية.
يبدو أن المسألة تُركت لقطر والأمم المتحدة وإسرائيل، وهذا ما غرّد به "تور وينيسلاند" مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، الذي قال في تغريدته على "تويتر" إنه بموجب خطة تمويل "مُنقحة" تنسقها قطر والأمم المتحدة، وتدعمها إسرائيل؛ سيتم توزيع قسائم شراء، ابتداءً من اليوم الإثنين 13 سبتمبر، تشمل مئة ألف مستفيد في أكثر من 700 نقطة توزيع في جميع أنحاء قطاع غزة!
على الرُغم من ذلك، يقول المحتلون، إنهم لا يعرفون حتى الآن، ما إذا كان أسلوب القسائم، وطرق توزيعها، يمكنها أن تتجاوز حماس ولا تتيح لها الإستفادة من القسائم. فهم يراقبون وسيكون لهم موقفهم حسب ما تأتي به عملية الرصد.
عند هذه النقطة، يعود الحديث عن الدور المصري، فتطفو سريعاً ثلاث ملفات: الأول هو الهدنة طويلة الأمد، التي تسعى مصر الى أبرامها، وإعادة حماس الأسرى الإسرائيليين وجثتي جنديين، كشرط للتوصل الى اتفاق على مثل هذه الهدنة، وبرنامج زيارة بينيت المزمة الى مصر وأهدافها.
معنى ذلك كله، أن الحصار المشدد على قطاع غزة يتفاقم، وأن انسداداً يواجه كلا الخطين: السياسة والمقاومة. إذا، نحن ما زلنا في مرحلة شديدة الصعوبة والخطورة، يجري فيها تحويل القضية الى جزيئات صغيرة لا علاقة لها بجوهرها، وما يجري الحديث عنه، يراوح في إهاب قسام شراء، وتسهيلات محدودة من خلال التهدئة واستعادة جثتين مع عنصرين تقول إسرائيل أنهما من المدنيين!
مع إغلاق باب السياسة، الذي يعني المفاوضات وصولاً الى تسوية، ومع إغلاق باب المقاومة التي تتحول الى طرف في هدنة طويلة الأمد؛ ينهض السؤال: ماذا على الممسكين بمقاليد الأمور، في الضفة وغزة، أن يفعلوا إن لم يذهبوا فوراً الى عملية سياسية داخليه، تحقق أهدافاً لا تسر الإحتلال، كإعادة الوحدة للنظام الفلسطيني، من خلال انتخابات عامة، تسبقها تفاهمات على ضمان نزاهتها واحترام نتائجها، وإتاحة الفرصة للمجتمع الفلسطيني لكي يلتقط أنفاسه، ويستعيد دورة حياته الإقتصادية، ويخفف من تراكم جموع العاطلين، ويفتح المغاليق كلها، للأبواب، وللمبادرات الإجتماعية، وللتعاون في الإطار الوطني، وللمساعدات من الخارج، ويفك عُقد الإستثناءات السلبية المُضنية التي يعاني منها الفلسطينيون في الإقليم، وفي المحصلة يستعيد زخم القضية؟!