في أجواء مثقلة بمرارات النكوص والوعود التي لا تُلبى؛ أعلنت هيئة الإنتخابات المركزية الفلسطينية، عن مواعيد إجراء الإنتخابات المحلية في الضفة وغزة. ومع كل التقدير للهيئة المهنية التي أثبتت نزاهنها؛ لا تغيب عن أذهاننا كل الإشارات التي تفسر الإعلان عن هذا المنحى الإنتخابي الجديد. فهو أولاً، وبحكم طبيعته حتى في الدول المستقرة؛ يمثل وسيلة اختبار لوجهة الرأي العام، قبل الذهاب الى انتخابات تشريعية عامة، وهو ـ ثانياً ـ يأتي محصلة ضغوط، تسبق عملية إعادة الإعمار المفترضة، التي لا يمكن أن تأخذ مفاعيلها بينما نحن منقسمون، على مستوى النظام السياسي، ومستوى الهياكل البلدية والقروية، التي هي أصلاً، أوعية نتلقى بها ما تيسر من مشروعات التنمية المحلية، وإعادة الإعمار. وهذا المنحى تَحفُّه ـ ثالثاً ـ أسباب العرقلة واحتمالاتها، وهذه المرة من طرفي الخصومة لا من طرف واحد!
تجري الإنتخابات المحلية، كما هو مقرر، على مرحلتين كالمعتاد، تفصل بينهما فترة زمنية ستكون قلقة، طالما أن الإرادة السياسية الفلسطينية ما تزال منقسمة، وأن صفارتين يمكنهما وقف السباق في اللحظة التي تراها كل منهما مناسبة. وفي حال أن يتراضى الطرفان، على ضرورة إنجاز العملية الإنتخابية، تتأثر فاعلية البلديات والمجالس القروية، سلباً، بالفجوة بين الممسكين بمقاليد السياسات العامة من جهة، والممسكين بالبلديات من جهة أخرى، فيفقد الخيار الشعبي على مستوى هذه الأخيرة، فاعليته. وبالإضافة الى غياب التوافق اللازم، قبل إجراء أي انتخابات، على مستوى النظام الوطني واستراتيجيته للمرحلة المقبلة؛ يظل العوار قائماً طالما أن هذا الطرف أو ذاك، يملك القدرة على الإقصاء والإلغاء.
نحن مضطرون الى تظهير المخاوف، طالما أن المناخات الفلسطينية الداخلية ملبدة، والرؤية ضبابية سواء على صعيد أمن المجتمع أو الصراع مع الإحتلال. فالإنتخابات محض عنوان، وليس هناك معنى، لأي عناوين، دون تحديد نصوصها وضوابطها وضماتاتها. ومن الخطأ أن ينحصر تركيز القوى المتنافسة، على قوائم الترشح وجهود حشد الناخبين. فإن كانت البلديات والمجالس القروية معنية بالتهيؤ لعملية إعمار يتولى المانحون تمويلها؛ فلننظر أولاً وملياً، في شروط هؤلاء المانحين، لكي نتبين أوضاعنا وما إذا كانت تساعد على إنطلاق هذه العملية أم لا. ولن يُجدي التعامل مع موضوع البلديات، باعتباره منافسة بين الفصائل أوعناوين القوى الإجتماعية، وصولا الى الوجاهة البلدية والقروية.
يُفترض أن يكون العنوان الرسمي للسلطة الفلسطينية، حاضناً للعملية الإنتخابية. لكن هذا العنوان، غير مؤهل حتى الآن. بل إن إبلاغ هيئة الإنتخابات المركزية، طلب الدعوة الى انتخابات محلية؛ جاء عبر مجلس الوزراء، وهو موضوعياً يؤدي دوراً في محاذاة عصب السلطة الفعلية، وليس في قلبها، وهو ليس مربط الفرس في تحديد السياسات.
المأمول أن تُجرى الإنتخابات المحلية وفق شروطها الضامنة لنجاحها والتزام الجهات المتنفذة بنتائجها. ولعل "المقاطعة" تدرك هذه المرة، صعوبة تكرار الإلغاء والإحباط، أو تدرك حتى مغبة العرقلة بالأساليب التي عفا عليها الزمن. فلم يعد هناك اي مجال للاستمرار في فضح المفتضح، لأن اللعب في هذه المساحة، معناه الإستمرار في إيذاء الشعب الفلسطيني وحرمانه من التقاط أنفاسه. ويخطي كثيراً من يتعامل مع الإنتخابات المحلية، باعتبارها عملية لسبر الأغوار. فالمؤشرات التي سبقت الغاء الإنتخابات العامة، وكانت سبب الإلغاء، ما تزال قائمة وتفرض نفسها بقوة. ولا مجال لمن تعمد تقديم كل ردييء في يوم السبت، أن يتوخى رواجاً وفلاحاً انتخابياً في يوم الأحد!