لا يمكن المقارنة بين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وأي احتلال تعرض له شعب آخر في العصر الحديث، وبالتالي لا يمكن البناء كثيرًا على تجارب الآخرين لإنهاء هذا الاحتلال وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للشعب الفلسطيني يدفعه بصورة دائمة لابتكار وسائل جديدة للمقاومة لم تلجأ إليها شعوب أخرى في سعيها للتحرر الوطني.
بعض الملاحظات هنا قد تكون مفيدة.
الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يستهدف طرد «الجزائريين» من أرضهم وإحلال فرنسيين بدلاً منهم، ولكنه سعى لإلحاق الجزائر بفرنسا باعتبارها جزءا من الدولة الفرنسية وعندما فشل في ذلك بسبب مقاومة الشعب الجزائري، عاد الفرنسيون المحتلون إلى بلدهم ومعهم مئات الآلاف ممن خانوا شعبهم وتعاملوا مع الاحتلال.
في الحالة الإسرائيلية الاحتلال لا يريد إلحاق الشعب الفلسطيني به واعتباره جزءا من دولة إسرائيل، ولكنه يريد التخلص منه والاستيلاء على أرضه.
الاحتلال الأمريكي لفيتنام هو أيضًا مختلف لأنه تم في سياق الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، والأميركيون لم تكن لديهم النية لإلحاق ذلك البلد بهم ولكن لمنعه من أن يكون جزءا من المعسكر المعادي لهم وعندما هُزِموا رحل الأميركيون تاركين فيتنام لأهلها.
أيضًا لم يوجد احتلال إلى يومنا هذا حصل على دعم غير محدود وغير مشروط من دول أخرى في العالم مثل إسرائيل.
أمريكا لم تدعم الاحتلال الفرنسي للجزائر مثلاً. في الحالة الإسرائيلية دول العالم كلها تعرف أن إسرائيل دولة احتلال لكن الجميع يدعمها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.
إسرائيل تحدد حتى أشكال الدعم التي تريدها وتحصل عليها من الولايات المتحدة ودول أوروبا، أما الصين وروسيا فهما لا يجدان حرجا في التعامل التجاري وحتى العسكري مع إسرائيل رغم رفضهما المعلن للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.
البيض في جنوب أفريقيا وأثناء تمييزهم العنصري لشعب جنوب إفريقيا تعرضوا للمقاطعة من جميع دول العالم، وفي النهاية اضطروا أمام مقاومة شعب جنوب إفريقيا وأمام المقاطعة العالمية لهم للتسليم والموافقة على إنهاء نظام الفصل العنصري وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وقبلوا بنتائجها.
في الحالة الفلسطينية، ورغم التمييز والقهر العنصري الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين، إلا أن حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل محدودة بل إن الأسوأ هو أن دول أوروبا وأمريكا تتخذ إجراءات قانونية بحق منظمات المجتمع المدني التي تطالب بمقاطعة إسرائيل.
وفي أمريكا وفي العديد من ولاياتها من يقاطع إسرائيل ليس من حقه الحصول على عطاءات حكومية.
إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في العالم التي لا يطالب أحد في العالم بإخضاع منشآتها النووية للتفتيش، والأكثر غرابة أنها الدولة التي تطالب بمهاجمة إيران وتدمير منشآتها النووية وتهدد بالقيام بذلك والعالم «يرجوها» أن تضبط «أعصابها».
إسرائيل استثناء بكل ما في الكلمة من معنى. لم ينجح احتلال مثلاً بتقسيم الشعب الذي يحتله إلى مواطنين ناقصي حق المواطنة، ومواطنين تحت الاحتلال المباشر، ولاجئين في معظم دول العالم، ولكن إسرائيل نجحت في ذلك.
حتى عند مقارنة ما قامت به إسرائيل بما قام به الأميركيون والكنديون والبريطانيون والإسبان لشعوب الدول الأصلية التي احتلوها، إسرائيل تظهر كاستثناء.
إسرائيل لم تتمكن مثلاً من تصفية الشعب الفلسطيني مثلما فعل البريطانيون والأميركيون والكنديون والإسبان في أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا وأمريكا الجنوبية.
الاستثناء الإسرائيلي كقوة احتلال يفرض بالضرورة استثناء في وسائل المقاومة الفلسطينية لإنهاء هذا الاحتلال.
لقد فهم الفلسطينيون ذلك منذ زمن بعيد وهو ما لاحظناه في تعدد وسائل المقاومة: المطالبة بالمواطنة الكاملة مع الاحتفاظ بالحقوق القومية في إسرائيل نفسها.. المقاومة المسلحة.. المقاومة الشعبية.. حركة المقاطعة.. المقاومة الفردية.. المقاومة الثقافية.
جميع هذه الأشكال بحاجة للتنظيم والتكامل حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من إلحاق الهزيمة بالاحتلال الإسرائيلي. هذه مسألة يدركها الجميع في الساحة الفلسطينية لكننا لا نشاهد حراكاً في هذا الاتجاه.
إلى أن يصل الفلسطينيون إلى مرحلة التكامل في نضالهم بشكل منظم فإن إلحاق الهزيمة بالاحتلال الإسرائيلي يبدو مسألة تكاد تكون مستحيلة بفعل الاستثناء الإسرائيلي كقوة احتلال.
جريدة الأيام