قُبيل الحديث عن فحوى المقال لا بُد من التيقن أن جميع السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية واحدة لم ولن تتغير مهما تغير الرؤساء سواء أكانوا من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي فاللوبي الصهيوني هو المُحرك لسياسات دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وبالأحرى مُحرك العالم.
في العام 2017 زار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مناطق الضفة الغربية بالتحديد "بيت لحم" و"اسرائيل" وزار السعودية وتم فيها انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية حيث شارك بها 55 زعيماً وتناولت قضايا الشرق الأوسط وسبل التحالف العربي السني_ الأمريكي، وفيها لم يُذكر أي مبادرة لحل القضية الفلسطينية وكانت قضية فلسطين مهمشة ولم تكن على سلم أولويات القمة، حيث كان على سلم أولوياتها آنذاك فقط الاتفاقيات الاقتصادية وترامب لم يتحدث حينها عن قضايا فلسطينية بل تحدث عن الإرهاب وبدلاً من أن يقوم بحل القضية الفلسطينية بل زادها تعقيداً بعد وصف ترامب حركة حماس بالإرهابية أمام 50 زعيم عربي وإسلامي ولم يزيل صفة الإرهاب عن منظمة التحرير ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وها هو التاريخ يُعيد نفسه من خلال زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى أراضي الضفة الغربية و"اسرائيل" والسعودية، والتاريخ يُعيد نفسه حيث زار ترامب مدينة بيت لحم ولم يزر رام الله وأيضاً ضمن أجندة الزيارة القادمة سيزور بايدن بيت لحم وهذا الأمر له دلالات:
· إن زيارة مدينة بيت لحم لا يُقصد بها التوجه السياسي بل التوجه الديني واحترام الأديان.
· زيارة بيت لحم لا تهدف الاهتمام بحل القضية الفلسطينية لأنه لو أراد ذلك لزار رام الله والتي تتواجد فيها المقاطعة وكافة المؤسسات الحكومية الفلسطينية.
· زيارة بايدن إلى بيت لحم ستتناول فقط تقديم النصيحة للرئيس عباس بالتحديد في ملف الصحفية شيرين أبو عاقلة بإغلاق الملف بالتحديد أنها تحمل الجنسية الأميركية.
· تقديم مساعدات اقتصادية دون إنهاء أي ملف على صعيد الصراع "الفلسطيني_ الاسرائيلي" على المستوى السياسي بل سيتم تقليص الصراع والتفرغ لقضايا ذو أهمية كبرى في الشأن الامريكي.
عندما زار "ترامب" كان الموقف الأمريكي لم ينضج ولم يصل إلى مرحلة التصالح مع الموقف الفلسطيني وموقف الرئيس الاميركي "بايدن" أيضاً سيكون في ذات النهج والسياق بسبب أن أميركا لم تصل بعد إلى التأييد الكامل للموقف الفلسطيني ودوماً تتحفظ تجاه الموقف الفلسطيني .
في العام 2017 خلال خطاب ترامب الصحفي في " قصر الرئاسة " في بيت لحم لم يُشير إلى المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولم يدعم حق تقرير المصير ولم يتحدث عن حل الدولتين، بل تحدث عن النهوض بالاقتصاد الفلسطيني وبناء جهود لمحاربة الإرهاب وهو ذاته سيكون خطاب بايدن وقد يختلف بقوله أن أمريكا مع "حل الدولتين" وهو يعلم تماماً أن حل الدولتين لم يعد حلاً واقعياً أمام وجود المستوطنات ولكن سيعمل على إعطاء مرونة ضمن سياق "سياسة الطمأنة والإلهاء" للفلسطينيين.
من يُتابع مشهد الزيارات الأمريكية السابقة نلحظ أنها لا تمارس ضغطاً على "اسرائيل" ولو فعلت لانتهى الاحتلال فهي غير معنية بذلك فهي دعمت "إسرائيل " بالأموال والسلاح وأكدت مراراً وتكراراً أنها ستستمر في إسناد "اسرائيل"، وستستمر أمريكا كشريكة رئيسية في مشروع الاحتلال الاسرائيلي وستستمر بالتمويل والتسليح والدفاع ولن تقوم بأي أسلوب ضغط على "اسرائيل" لحل الإشكال بين الجانبين الإسرائيلي_ والفلسطيني، ولم تؤثر أمريكا يوماً على اسرائيل من خلال وقف الاستيطان وتجميده أو المحاولة لاستئناف المفاوضات.
4 ملفات تُهيمن على زيارة بايدن لإسرائيل :-
v تعزيز العلاقات الثنائية الأمريكية الاسرائيلية وبناء الثقة بين الجانبين واستكمال الدعم بكافة أشكاله.
v التأكيد أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وهي المركز الجغرافي والروحي للشعب اليهودي.
v التعاون وإنشاء مبادرات في مجموعة من المجالات بما في ذلك الأمن والاقتصاد والابتكار والتكنولوجيا.
v تطوير أنظمة الدفاع الصاروخية عبر الليزر والتي تهدف إلى حماية اسرائيل من هجمات صاروخية خارجية بما فيها إيران حيث تعتبر إسرائيل أن إيران وأذرعها العدو الأول لها، ويتعدى ذلك إلى التطورات الجارية في سوريا خشية تطور سوريا الى قاعدة ايرانية مع انتهاء الصراع الداخلي في سوريا بالتحديد بعد انسحاب قوات روسية من الجنوب السوري.
ثلاث مسارات يخطط لها بايدن :-
v مسار أمني يضمن أمن "اسرائيل" على حساب الفلسطينيين.
v مسار اقتصادي يمثل الرشوة والإخضاع للفلسطينيين.
v مسار سياسي باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، حيث يُبدي الجانب الفلسطيني مرونة لاستئناف المفاوضات مثل تجميد الاستيطان وتحديد مرجعية للمفاوضات وسقف زمني للتفاوض وإيجاد الأفق السياسي.
الموقف الاسرائيلي:
إن الموقف الاسرائيلي مهما كانت الأزمة السياسية التي تعصف بالاحتلال حول الانتخابات المتوالية إلا أن الاحتلال مُتعنت بمسائل وقف الاستيطان والتحريض الإعلامي ضد الفلسطينيين وتشديد الإجراءات الإسرائيلية ضد مناطق الحكم الذاتي، وأي إجراء مفاوضات ستكون وفق الشروط الإسرائيلية والتي جوهرها خلق الحقائق الاحتلالية والاستيطانية والعنصرية على الأرض تحت غطاء المفاوضات، بالإضافة إلى مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي وبسيطرتها الأمنية من البحر الى النهر، دون عودة أي لاجئ واستمرار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
الموقف الامريكي يتقاطع في معظم نقاط الموقف الإسرائيلي، والتي أكدت أن إدارة اميركا لن تُبدي أي إدانة فعلية للاستيطان ولم تعلن نيتها في بناء دولة فلسطينية ولم تعترف بحق تقرير المصير الفلسطيني.
هل سُيعيد بايدن فتح القنصلية الأمريكية العامة في القدس الشرقية ؟
لن يذكر بايدن موضوع فتح القنصلية الامريكية في القدس وسيتم تجاوزها خلال زيارته الخاصة حيث أن فتح القنصلية في القدس الشرقية يعني رجوع التمثيل الدبلوماسي الأمريكي مع الفلسطينيين ويعني اعترافاً ضمنياً بحقوق الشعب الفلسطيني وسيادته في القدس الشرقية وهذا ما لا يريده الاحتلال.
"إسرائيل" ستشكر بايدن لعدة أسباب :-
v تقديم الاسلحة والدعم لإسرائيل .
v لن يقدم حلاً جذرياً للقضية الفلسطينية وزيارته لمناطق الضفة الغربية كشكل بروتوكولي.
خلاصة :- الهدف من زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط توحيد دول المنطقة ضد ايران، ناهيك عن جمع الأموال كما فعلها ترامب وأخذ 460 مليار دولار واستغلال النفط لصالح اميركا، وتجنيد القادة الآخرين من دول الخليج لمساعدة واشنطن لجلب المال وانشاء ناتو عربي امريكي اسرائيلي ضد المحور الايراني.
على الموقف الفلسطيني أن لا يقبل بتهميش القضية الفلسطينية من خلال لعب دور فاعل، وعلى الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" ان يُعيد النظر في حساباته فالسياسات الامريكية تجاه القضية الفلسطينية لا يتم الرهان عليها ومن الخطأ ان يبني ابو مازن سياسته على هذا الرهان الخاسر، فإذا لم تتجاوب إسرائيل مع بايدن وطلبه المستقبلي بالتنازل من قبل الجانبين لإحياء السلام فالملف الفلسطيني سيبقى كما هو عليه الآن، وسيتحول مستقبلاً للضغط على الطرف الضعيف والمستعد لتلقي الضغط والتنازل وهو الفلسطينيون والعرب، من هنا على الفصائل أن يكون لها دوراً فاعلاً خلال تلك الزيارة بحشد الرأي العام وتحشيد الجماهير الفلسطينية عبر مسيرات أثناء زيارة بايدن تأكيداً على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.