- مراسلنا: 6 شهداء جراء قصف الاحتلال لمدرسة خالد بن الوليد جنوب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
- مراسلنا: 4 شهداء ومصابون في استهداف منزل مقابل مدرسة القاهرة بحي الرمال بمدينة غزة
حين تذكر أسماء المناضلات الفلسطينيات الرائدات، ممّن نذرن أنفسهن لنصرة شعبهن، وقضيته التحرّرية، على الصعد السياسية، والتربوية، والنسائية؛ محلياً وعربياً ودولياً، منذ مطلع الصبا، حتى مرحلة الحكمة، يبرز اسم المناضلة، سلوى حلمي رشيد أبو خضرا (أم محمود)، التي ولدت في يافا، في الأول من أيار، العام 1928، ورحلت في عمان، في الخامس عشر من تشرين الثاني، العام 2024.
في كل مرّة كنت ألتقيها، كانت يافا محور حديثها، وكانت على يقين من أنها سوف تعود يوماً إلى يافا، بحرها وهوائها وشمسها وبرتقالها وأرضها وناسها.
لم تكلّ أو تملّ يوماً عن سرد حكاية تهجيرها شابة، وعملها منذ وصولها إلى سورية على تحقيق حلمها في العودة، وكانت بداية الطريق التحاقها بلجنة نسائية سياسية اسمها: "لجنة تحرير فلسطين"، التابعة لجمعية تحرير فلسطين، وكانت اللجنة تضمّ نساء سوريات وفلسطينيات، وتتبنّى الجانب الاجتماعي من العمل السياسي، لالحاحيته للمهجّرين/ات.
غادرت الشابة سورية، العام 1953، بعد وفاة والدتها؛ العضوة في جمعية زهرة الأقحوان في يافا: "بهيرة المالكي"، ثم وفاة والدها؛ المحامي المناضل مع الثورة السورية منذ العام 1925: "حلمي رشيد أبو خضرا"، وتوجّهت وإخوتها إلى غزة "دخلنا على غزة بالليل، وهناك قعدنا سنة ونصف، وقدّمنا على أوراق كأننا مهاجرين من الـ 48، دون أن نعلن عن ذاتنا، وبالتالي أخذنا هوية لاجئ لغزة سنة الـ 53".
ومن غزة إلى مصر للدراسة "كان وضع دراستي مشتت، مثل من يقطف لقمة ورا لقمة". وكان ذلك لأنها أكملت تعليمها الثانوي في يافا، وحصلت على شهادة في التربية من جامعة أكسفورد، العام 1947، ثم شهادة في الأدب الفرنسي من بيروت العام 1952.
وعلى امتداد حياتها، آمنت الرائدة بضرورة وأهمية العمل السياسي والاجتماعي، كما آمنت بضرورة وأهمية العمل التربوي، الذي يقرِّبها من الطالبات، ويجعلها قادرة على التأثير السياسي عليهن.
عادت إلى غزة بعد زواجها العام 1955، والتحقت بين عامي 1956 - 1957 بالاتحاد النسائي العربي، وعملت مع رئيسة الاتحاد الرائدة: "يسرى البربري"، وعضوات الاتحاد لتعزيز صمود النساء، وتنفيذ برامج ثقافية واجتماعية تعبوية، ذات بعد سياسي.
وبالنسبة للعمل التربوي، عملت مديرة لمركز تربية أساسية في "الأونروا"، حيث كانت على تماس مباشر مع الناس؛ ما جعلها شاهداً على ما يحدث في فلسطين، وخاصة بعد العام 1967.
لم تبقَ الرائدة "سلوى أبو خضرا" طويلاً في غزة، سافرت وزوجها بعد سنة ونصف إلى الكويت، وفوراً بادرت لتأسيس لجنة المرأة الفلسطينية، وانخرطت أكثر فأكثر بالعمل السياسي المرتبط بالعمل التربوي، ثم العمل السياسي المنظم، من خلال انتمائها إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، والعمل النقابي، من خلال عملها في صفوف الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية/ فرع الكويت.
بادرت إلى تأسيس حضانة وروضة أطفال ومدرسة في الكويت "دار الحنان"، العام 1963، التي لبَّت حاجة فلسطينية ملحة للوافدين، الذين لم يكن يتمّ قبول أبنائهم في رياض الأطفال، وكانت المدرسة ساحة تثقيفية وتربوية ووطنية.
اعتزّت الرائدة بالمدرسة، واعتبرتها أكبر نجاح حققته في حياتها، إضافة إلى العمل الوطني: "كانت المدرسة وكر وطني قومي فلسطيني عربي".
وفي الوقت ذاته شاركت في إرهاصات ولادة حركة فتح، عبر النقاش مع قيادات الحركة، التي كانت تستعدّ لتأسيس تنظيم فلسطيني، وتجتمع سراً في المدرسة: "لم أكن شريكة في القرار، لكن مواكبة، كان لي حظّ إني ألتقي بعدد من القيادات الفلسطينية، وكان الحديث على كيفية النضال بأسسه السليمة، وهو أن يبدأ رأس الحربة أن تكون فلسطينياً، ثم عربياً، ثم دولياً".
بدأ عمل النساء، ضمن حركة فتح، بعد العام 1965، تشكلت لجان سياسية شاركت النساء فيها بفاعلية وحماس شديدين، وانتماء عضوي وفكري وعاطفي، على حدّ تعبير الرائدة، كما تأسَّست "لجنة المرأة في فتح"، وتولّت المناضلة "سلوى أبو خضرا" أمانة سرّها العام 1965.
كانت اللجنة سرية، وضمّت بعض النساء العربيات (كويتيات ومصريات)، إلى جانب النساء الفلسطينيات، وقامت بعمل سياسي واجتماعي، حيث هدفت إلى استقطاب النساء، لمساعدة الفدائيين، وجمع التبرعات، ونشر التوعية.
وبعد أن بدأت بالعمل السياسي، ذي البعد الاجتماعي، امتدّ دور اللجنة إلى التدريب على حمل السلاح، وفقاً لشهادة الرائدتين "سلوى أبو خضرا"، و"سهام سكر".
*****
حملت الرائدة جناحي العمل السياسي النقابي، والعمل التربوي، ولكن بقي الأساس هو العمل السياسي المتمثل بالتنظيم: "اتحاد المرأة شيء جميل، ولكن الأساس كان التنظيم".
كانت أم محمود هي المسؤولة الأولى لحركة فتح بالكويت، ما ألقى على عاتقها مسؤولية كبيرة، قامت بها بجدارة، رغم مسؤوليتها عن إدارة مدرسة "دار الحنان"، التي كانت مقراً للقاءات حركية متواصلة.
وكان الوطن والقضية الفلسطينية هي الهمّ الأول لديها. كانت عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني منذ العام 1969، وعضواً في المجلس المركزي منذ العام 1978، وعضواً في المجلس الثوري لحركة فتح منذ العام 1985، وفي العام ذاته شغلت موقع الأمينة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وبقيت في موقعها حتى انعقاد المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، العام 2009، حيث تولّت مسؤولية رئاسة المجلس الإداري للاتحاد.
*****
احتلّت الرائدة المناضلة مكانة خاصة لديّ، التقيتها مراراً وتكراراً في بيت الوالدة "عصام عبد الهادي" – رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية حتى العام 2009 -، وضمن فعاليات سياسية ونقابية متعددة.
وبعد رحيل الوالدة العام 2013؛ حرصت وشقيقتي فادية على لقائها بشكل منتظم، ودأبت تحدّثنا عن العلاقة الخاصة التي جمعتها بالوالدة، بالإضافة إلى العلاقة السياسية النقابية: "التلاقي مع الأخت عصام هو تلاقي الأرواح، تلاقي الفكر، تلاقي الأمل، والتصميم على العطاء، لكي نحرِّر فلسطين. شعرنا نحن الاثنتين وكأننا من نسيج واحد متنوع الجمال، هنا وردة وهنا زهرة".
العزيزة الغالية الرائدة سلوى أبو خضرا،
سوف تبقين في قلبي، وقلب كل من عمل معك، أو عرفك، وسوف تظلين في قلب الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني، والشعوب التي تناضل من أجل الحرية.