في أربعينية النهر الثالث للعراق مظفر النواب، وهروبًا من صخب الكتابة في عالم السياسة المتجمدة، ذات الملفات والقضايا الشائكة المتعددة، التي أصبحت تثقل النفس ومنها أضحت عليلة كئيبة، كان لزاماً علينا أن نهرب من السياسة إلى السياسة، ولكن في إطار غير مرتجف، وهو في الأصل المختلف، عبر مقال إحياءً لأربعينية الكبير الراحل النهر الثالث للعراق مظفر النواب، الخالد سيرةً ومسيرة في عالم الفكرة والانسان، وبحر الكلمة التي ترسو على شطآنها قصائد مظفر في لوحة شعرية شاعرية تحلق في عنان السماء، لتعلن في كل صباح مساء أن القصائد في واحة الشعر، ومتنفس الإنسان الباحث باستمرار عن هويته الإنسانية في كل مكان وزمان.
الراحل الكبير مظفر النواب وللحكاية وجه آخر في واحة شعره المتناثر والمتناسق روحاً وفكرة، ومن خلال إبداعه في الشعر الإنساني البعيد القريب من عالم السياسة، لأن "النواب" استطاع أن يجسد فكره وأدبه وفنون قصائده وروعة كلماته ضمن لوحة تعبر عن الإنسان بشكل عام، وأظهر في معظم قصائده أن السياسة والحب والغزل والأفراح والقهر والأتراح والابتسامة والأحزان كلها من نصيب الإنسان، التي كونتها السياسية واستطاع ربطها مظفر في معظم أشعاره في حديقة واحدة تسمى الأوطان، لأن الوطن الذي افتقده مظفر النواب طوال زمن، وعبر عنه ضمن شخصيته، ضمن واحة الأم والأب والأخ والصديق والصديقة والعاشق والحبيبة، وضمن حكايات النفس المشتاقة العليلة، التي تحتاج على الدوام لأي فرصة ووسيلة لكي تعبر عن مكنون باطنها وما يلوج بداخلها من الكلام المباح غير المتاح في عالم مستباح، الباحث عن السكينة والألفة والطمأنينة لتكوين حالة نفسية إنسانية واثقة مؤمنة ومطمئنة.
غياب مظفر النواب عن عالم القصيدة سيبقى له المكنون والأثر والعنوان على مدار الزمان، لشاعر وإنسان صنع الزمان والمكان من رحم القهر والألم والمعاناة والبحث الدائم المتواصل في عالم الفكرة والإنسان عن وطن يمثل لمظفر النواب وللعارفين الواثقين عالمًا من الأوطان في كل الأزمان.
في أربعينية النهر الثالث للعراق إلى روح "أبو عادل" وردة وسلام.