«نحن قلنا ليس قبل شهر آذار من العام 2022 وليس بعد شهر حزيران» هكذا كان الشيخ يرد على الذين بدؤوا يسألونه عن نبوءته مطلع العام وفي الشهر الثالث مبدياً قدراً كبيراً من الانزعاج والسخرية من الناس الذين لا يصدقون، ولم يحاول حتى أن يترك مجالاً للمناورة أو لأي تراجع قائلاً: «أنا ما أنا عليه منذ ثلاثين عاماً».
وبكل تلك الثقة كان يتحدث عندما يتم سؤاله وللرد على المشككين كان يقول: «الناس هي التي تحكم».
بماذا سيحكم الناس على رجل أمضى ثلاثين عاماً يحسب ويجمع ويطرح وينظر فيما يشبه علم الغيب في شأن لم يغامر أي من الفلاسفة وحتى الأنبياء بالاقتراب من هذه الزاوية، فقط المنجمون وقارئو الكف والفنجان من مارسوا تلك الهواية وهؤلاء لم يراجعهم أحد ولم يأخذهم الجميع على محمل الجد.
قبل ثلاثين عاماً خرجت مع الدكتور الشيخ بسام جرار معادلة اعتبر نفسه من اكتشفها تحدد له زمن نهاية إسرائيل.
وقد بدأت الفكرة من عجوز عراقية كانت تحكي لجارتها، التقط الرجل فكرة العجوز وذهب إلى الكتاب الأكثر قدسية لدى مليار من البشر لاستنطاقه ليكون الموعد النهائي هو نهاية حزيران الماضي.
«إن لم تزُل إسرائيل في هذا التاريخ، الحقيقة تكون عجيبة من العجايب أنا أرى أن العجيب ألا تتحقق» هكذا قال في إحدى مقابلاته.
وليس هناك جزم أكثر من هذا رافضاً أي فكرة أخرى. فحين سأله مذيع ذات مرة عن نبوءة مشابهة لمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين فقد حدد نهاية إسرائيل في العام 2027 قال: «إن الشيخ لم يبد رأيه بناء على دراسات مثله منذ جاءت فكرة الشيخ ياسين عابرة».
وهكذا ظل لثلاثة عقود يلقي محاضرات وينظر ويتحدث ويشرح ويفسر ويعزز رؤيته كما قال ليست مائة بالمائة عندما تواضع قليلاً واضعاً رقم 95% وتساءل «هل أصبحت 94% ؟ أقول لا أصبحت 96%»...!
كيف تلبست الرجل الفكرة لثلاثين عاماً إلى الدرجة التي أصبح يتم تعريفه باعتباره صاحب نظرية زوال إسرائيل في العام 2022، وهل هكذا تتم قراءة السياسة لدى المتدينين؟
وما علاقة حديث الرجل ونظريته عن وعد الآخرة والذي ربما التقطه متدينو غزة ليعقدوا مؤتمراً بنفس التسمية مطلع العام تحضيراً لنبوءة الرجل وحتى لا تضبطهم اللحظة غير جاهزين.
هكذا بدت الأمور بسطحيتها بدءًا من المُنظّر مروراً بالأتباع بما يشبه الدروشة الأقرب منها لأي عمل سياسي قائم على دراسة الإمكانيات وتطويرها والاتكاء عليها والعمل وفقها وقراءة الظروف والتغيرات.
صحيح أن النبوءة تدغدغ الملايين من الذين ينتظرون بشرى الخلاص الذين طردتهم إسرائيل من بيوتهم وسرقت أملاكهم، «بالمناسبة رئيس وزراء إسرائيل سيسكن بيت أحدهم»، وشتتت شملهم وما زالت تمارس القتل والإهانة لمن تبقى وتخضعهم بقوانين عنصرية.
صحيح أن الشعب الفلسطيني يعيش كابوس الاحتلال وينتظر أن ينجلي هذا الكابوس لكنّ هناك فرقاً بين الحلم وبين هذا الشكل من الفهلوة التي توهم الناس وتجعلهم ينتظرون المعجزة.
ما دام الأمر سيتحقق فلماذا يعملون بل عليهم أن يرتبوا أمورهم لما بعد كما حدث في «مؤتمر وعد الآخرة»، وليس كيف عليهم أن يحرروا أنفسهم قبل وما هي إمكانياتهم وما هو برنامجهم للتحرير.
انتهى حزيران هذا العام ولم تتحقق نبوءة عاشت مع الرجل لثلاثة عقود وربما هذا ما فسر غضبه على حركة حماس قبل أسابيع عندما لم تبادر بفتح المعركة أثناء مسيرة الأعلام في القدس معتقداً أنها فوتت وعد الآخرة، لم يفكر وهو يضع نبوءته ويحاضر لها كل هذه الفترة الطويلة أنه يقترب من خطوط حمراء حين يضع القرآن الكريم أمام تلك المعادلات ويُقوِّله ما لم يقل وهو الكتاب الذي يحث الناس على الإعداد والتفكير وممارسة السياسة والعمل وبناء المجتمع والدولة والوحدة كشرط للنصر ويأخذ بعين الاعتبار موازين القوى وتلك كانت سبباً لتوقيع الرسول لاتفاقيات سياسية يقدم فيها بعض التنازلات وهو يستمر بالعمل من أجل الغد.
ماذا ستقول الناس التي ارتضاها الرجل حكماً على علمه وحساباته ومعادلاته التي أشغل نفسه بها؟
وبالتأكيد فإن مصداقية الرجل تم المساس بها من قبل الذين صدقوه وليس مصداقية القرآن، ولكنّ في الأمر درساً لغيره لعدم زج القرآن في قضايا بهذا المستوى من التسطيح، لقد عرفت الرجل قبل ثلاثة عقود عندما كان درسني إحدى المواد في كلية المعلمين، كانت نظريته طازجة، كانت الانتفاضة الأولى تشق طريقها وإيماننا بالنصر أعلى من نبوءة جرار، قلت سننتصر ولكن ليس حسب نظرية الرجل ومعادلاته، سننتصر لأننا شعب لا خيار له سوى الانتصار، لكنني لم أتوقع هذا الأداء الهش من قبل القوى والنظام السياسي الذي وقع في كمين ليؤخر الانتصار.
إسرائيل ليست بتلك القوة وهناك ما يكفي من عوامل ضعفها التي بدأت تتبدى سواء بانقسام نظامها السياسي الذي دخل فوضى هي تعبير عن أزمة مجتمع بات منقسماً، وتزايد المتدينين وهم وصفة لإضعاف أي دولة بل عبء عليها عندما يمارسون السياسة، وهو ما حذر منه هرتسل وهو يضع الأسس النظرية للدولة حين قال في كتيّبه الذي كتبه قبل إقامة إسرائيل بنصف قرن والمعنون بالدولة اليهودية: «أما الحاخامات ينبغي حجزهم في معابدهم بعيداً عن السياسة».
على المستوى الدولي تتراجع إسرائيل ولكنّ لهزيمتها شروطاً أولها أن يفكر الفلسطينيون بعقلهم ويبنوا نظامهم ومجتمعهم ومؤسسة فاعلة ويستغلوا ما يكفي من ممكنات القوة لديهم وجميعها دون استثناء أي واحدة وأن يعتمدوا العلم في مسيرتهم.
فإسرائيل قوية بالعلم وحين يكون الفلسطينيون نداً حقيقياً لإسرائيل حينها يمكن القول إن الانتصار قد اقترب...!