تفاعلت وسائل إعلام مختلفة، ومنها عبرية، مع الفيديو الخاص بقيام مجموعة من جنود جيش الاحتلال بالاعتداء على أعضاء من منظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية في الخليل، ليس لجهة المظهر الذي تم بعملية الدفع واللكم والرمي أرضا، فتلك ليست المرة الأولى بأن يحدث ذلك "المظهر العدواني" ضد نشطاء من "اليسار الإسرائيلي".
عبارات قالها ذاك الجندي، فجرت هلعا مبكرا، ليس ضد الفلسطيني، والذي تمارس بحقه يوميا جرائم حرب لم تعد تثيرا نظما غربية استعمارية الثقافة، ومظاهر عنصرية وتطهير عرقي واحتلال هو الأطول والأخير، ولكن الحديث كان لشخص يهودي إسرائيلي، نطقها الجندي: "أنا القانون...وقريبا سيأتي بن غفير وسيغير كل شيء".
وكان يمكن اعتبار تلك الأقوال "زلة لسان غاضبة، او تعبير عن انحياز آني، لكن ما كتبه على إشارة وضعها على يديه، هو التعبير الجوهري عن "الثقافة الفاشية الدينية" التي لا تميز بين شخص وآخر، عبارة تستبدل التعليمات الحزبية والانتماء والولاء الذاتي بديلا للقانون، أي كان ذلك القانون (والإشارة هنا لما هو على الإسرائيلي وليس الفلسطيني خارج الحسابات القانونية لهم وعندهم).
تسع كلمات " "طلقة واحدة.. قتل واحد.. لا ندم.. أنا من يقرر"...كلمات كتبها ذاك الجندي بديلا لما هو معروف من حيث الشكل، مستبقا التطورات القادمة بعد فوز "التحالف الفاشي الديني" للمرة الأولى داخل دولة الكيان، التي تباهت كثيرا ومنذ قيامها اغتصابا لأرض فلسطينية، ببعدها "الديمقراطي العلماني"، وأنها متماثلة مع "قيم الغرب الرأسمالي".
(9) كلمات كثفت الحقيقة لجيش الغزاة المحتلين، بأن الفاشية الدينية ليست خطرا على الفلسطيني، فتلك مسألة من صلب فكر الصهيونية، عنصرية وكراهية وعداوة، بل باتت خطرا مباشرا على "اليهود" المعارضين لسلوكهم...بأن "القتل واحد" لا يميز بين هوية وهوية، ما دام يراه خصما، لا ندم عن فعل ما دام ذلك "خلاصا من عدو أي عدو"، و "لا قانون سوى قانونهم الخاص"...
قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، قال عضو كنيست من حزب "هناك مستقبل" برئاسة لابيد، ان "الفاشية في ألمانيا" و"هتلر" وصلا السلطة عبر صندوق الانتخابات وبشكل ديمقراطي، في احياء مسبق لما سيكون من نتائج لتلك الانتخابات، وبشكل سريع فتحت عليه نيران القتل الذاتي من كل جهات الكيان، بمن فيهم بعض أعضاء تحالف حزبه الحكومي، رغم انه قال "حقيقة سياسية تاريخية"، لكنه حذر من مخاطر تكرارها.
وذهب قادة أمنيون إسرائيليون سابقون، الى التحذير الصريح والعلني، بأن دولة الكيان قد تشهد "حربا أهلية"، فلم يعد ذلك خيارا مستعبدا ابدأ، وصف وتحليل لم يأت من سياسيين ليتهموا بأنهم يطلقونها كدعاية ترهيبية انتخابية، بل من قادة أهم أجهزة أمنية في الكيان، رئيس شاباك سابق (ديسكين) ورئيس أركان سابق لجيش الكيان (حالوتس)، ومعهم كتب الصحفي اليهودي الأمريكي فريدمان، بعد الانتخابات ونتائجها بصعود قوى فاشية دينية، بأن "إسرائيل التي عرفها لم تعد موجودة"، في مقالة بأحد أهم صحف الولايات المتحدة الأمريكية.
ولأول مرة في تاريخ دولة الكيان، يمنح وزير من "الفاشية اليهودية الكاهانية"، إيتمار بن غفير، صلاحيات تشكيل "حرس أمني خاص"، سيكون "قوة تنفيذية" للقانون غير المكتوب في نظام الكيان الأساسي، بل للقانون الذي كتبه جندي جيش الاحتلال على يافطة يده (طلقة واحدة.. قتل واحد.. لا ندم.. أنا من يقرر).
"الفاشية الدينية اليهودية" لم تعد حضورا كلاميا وصرخات هنا وهناك، ضد الفلسطينيين، ولم تعد حاضرة بجرمها ضد الفلسطيني، فتلك مسألة متلازمة والاحتلال الذي يمثل "فاشية مكثفة"، لكن الجديد "فاشية يهودية ضد يهود"...وتلك مؤشرات "حرب أهلية" لم تعد "مستحيلة" أو "خارج التوقعات"، ما أجبر وزير جيش الكيان الخاسر غانتس لأن يخرج عن صمته ويصرخ محذرا، مما هو قادم.
هل يخلق فوز " الفاشية الدينية اليهودية" بالحكم في دولة الكيان، ملامح حراك جديد إقليمي ودولي لمواجهة خطر حقيقي لا يستهدف الفلسطيني وحده...حراك يتسع لكل "أعداء الفاشية الدينية"، وحصارا لجرائمها المتوقعة...نحو خلاص أبدي من احتلال يمثل القوة الدافعة لتلك الفاشية الجديدة.
الخطر الفاشي يزحف.. فهل من قوة رادعة وقبل فوات الآوان.. تلك هي المسألة التي لا تنتظر كثيرا.. ولن تنهزم ببيانات بليدة.