قيل "إن خلف كل رجل عظيم امرأة"، لكن في فلسطين تبدو المرأة عظيمة في كل مواقعها؛ فهي تقف خلف كل حكاية شهيد أو قصة أسير أو معنى للصبر والصمود؛ تحضر المرأة أسيرة وأمّا لأسير، وشهيدة، وأمّا لشهيد.
وقبل أن تكون شهيدة أو أسيرة، فالأم الفلسطينية مربية لأجيال دافعت ولا تزال عن فلسطين، وحملت على عاتقها تنشئة "جيل التحرير"، بما يتلاءم مع متطلبات كل مرحلة، وتحملت مشاق الحياة من تربية الأبناء ورعايتهم، خاصة إذا كان الزوج معتقلا في غياهب السجون أو شهيدا.
معان وذكريات أليمة
ومع مرور عيد الأم الذي يوافق يوم الحادي والعشرين من مارس من كل عام، والذي يعتبر يوما عالميا لتكريم الأمهات والاعتراف برسالتهن، ودورهن وتضحياتهن الكبيرة، بينما هنا في فلسطين، ينكأ عيد الأم، جراح الأم الفلسطينية التي تحاصرها الدموع وتعيش أقسى أنواع الحياة ومحرومة من أبسط الحقوق التي نصت عليها الشرائع السماوية والأرضية، فهي أم وأخت وزوجة وابنة شهيد وجريح ومعاق، فقدت عزيز، رحل عنها دون سابق إنذار بسلاح قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وتذكر الأمهات هذه المناسبة بمعان وذكريات أليمة لا متسع فيها للفرح، خاصة وأن بعضهن أصبحن يحملن أعباءً مضاعفة لتعويض غياب الأب والزوج والشقيق والابن، الذي أسرته أو قتلته قوات الاحتلال.
وفي ظل العمل اليومي لتمكين المرأة على مستوى العالم وإعطائها المزيد من حقوقها، ما زالت المرأة الفلسطينية تدفع ثمناً باهظاً من عمرها وحياتها وأسرتها جراء استمرار هذا الاحتلال وممارساته اللاإنسانية واللاأخلاقية.
الأسيرات الأمهات
وفي الوقت الذي يحتفل فيه كل الأمهات مع أسرهن وعائلاتهن بمناسبة بوم الأم، يحرم الاحتلال 31 أسيرة فلسطينية بين أم وفتاة من عيش هذه اللحظات جراء حقده وعنصريته، إذ يعانين من من التضييقات والقمع وسياسة العزل بحقهن، وعدم مراعاة الوضع النفسي والصحي والحياتي لهن، وإبعادهن عن بيوتهن وأولادهن.
كما يحرم ما يقارب 4400 أم من معايدة وحنان أبنائهن جراء البعد القسري المتمثل باعتقالهم.
وبحسب نادي الأسير، فإن من بين المعتقلات الـ 31 اللواتي يقبعن في سجن الدامون، 10 أمهات يحرم أطفالهن من الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهن من احتضانهم.
هذا بالإضافة إلى حرمان بعضهن من الزيارة، أو عرقلتها في كثير من الأحيان، يرافق ذلك استمرار رفض إدارة السجون توفير هاتف عمومي لهن، رغم المطالبات المستمرة منذ سنوات، وفق التقرير.
وأشار إلى أن المعتقلات الأمّهات هن: إسراء الجعابيص، فدوى حمادة، أماني الحشيم، ختام السعافين، شذى عودة، عطاف جرادات، فاطمة عليان، شروق البدن، ياسمين شعبان، سعدية فرج الله، وهي كبرى الأسيرات سنًّا.
وتقضي مجموعة من الأمهات أحكامًا بالسجن لسنوات، منهن: الأسيرة جعابيص المحكومة بالسجن 11 عامًا، وفدوى حمادة وأماني الحشيم اللتان تقضيان حكمًا بالسجن لمدة 10 سنوات، ومن بين الأمهات المعتقلة إداريًا البدن من بيت لحم.
تنكيل وتعذيب وابتزاز
ووفق نادي الأسير، تواجه المعتقلات كافة أنواع التنكيل والتعذيب التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين، بدءًا من عمليات الاعتقال من المنازل فجرًا وحتى النقل إلى مراكز التوقيف والتحقيق.
ولاحقًا يتم احتجازهن في السجون وإبعادهن عن أبنائهن وبناتهن لمدة طويلة، ولاحقًا أيضًا تستمر مواجهتهن لجملة من السياسات الممنهجة التي ترافقهن طول فترة الاعتقال مثل عمليات القمع والتنكيل، والإهمال الطبي، ومحاولة إدارة السجون المستمرة سلب حقوقهن.
وأشار إلى أن إحدى أبرز السياسات التي يستخدمها الاحتلال بحق الأمهات هي اعتقالهن كوسيلة للضغط على أبنائهن المعتقلين أو أحد أفراد العائلة، وإيقاع أكبر قدر من الإيذاء النفسي كما جرى مع المعتقلة عطاف جرادات، وهي والدة الأسرى (عمر وغيث ومنتصر) جرادات، حيث لم يكتف الاحتلال باعتقالها وأبنائها، بل أقدم على هدم منزلها.
وقال إن الاحتلال سعى عبر آلة القمع ومحاولته لكسر إرادة الفلسطينيين وعوائلهم باستهداف الأمهات الفلسطينيات، فنجد مئات الروايات من الأسرى التي توضح كيف استخدم الاحتلال الأمهات للنيل من أبنائهن المعتقلين، بجانب حرمان الآلاف من أمهات المعتقلات من أبنائهن على مدار سنوات وسلب حقهن في الزيارة.
وأوضح أن المئات من الأسرى فقدوا أمهاتهم خلال سنوات أسرهم دون السماح لهم بإلقاء نظرة الوداع، وكذلك تواجه زوجات الأسرى تحديات كبيرة وعلى مستويات مختلفة، في ظل استمرار الاحتلال باعتقال أزواجهن.
ويُضاف إلى ذلك معاناة وقهر الأمّهات والزوجات اللواتي استشهد أبناؤهن وأزواجهن في السجون، فقد عاشوا حرمان الأسر والفقدان لاحقًا.
بسمة العيد
ولأن وجعها مازال إلى الآن يمتد، لأن أنّتها تخطت حدود السجون الإسرائيلية إلى السماء، لأن أيامها أضحت متشابهة بفعل التنكيل والإحساس بالغياب والفراق، لأنها اللينة العنيفة .. الكاسرة المكسورة .. الطاهرة البريئة، لأنها كأمها فلسطين منكوبة مجاهدة صابرة، ولأنها شهيدة حيّة، فالعيد لا يكون إلا عيدها .. وبسمة العيد لا تليق إلا بها!