- صافرات الإنذار تدوي في عدة مستوطنات شمال فلسطين المحتلة
قرار محكمة الجنائية الدولية الذي تأخر صدروه كثيراً ضد رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو ووزير حربه المقال غالانت بسبب ضغوط وتهديدات كبيرة واجهها رئيس محكمة الجنايات الدولية كريم خان وقضاتها من قبل أمريكا، والتي سعت لابتزاز رئيس المحكمة وقضاتها مادياً وشخصياً، وهددت بفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية، إن اقدمت على إصدار مذكرة اعتقال بحق قادة الاحتلال، فهذه المحاكم وفق التوصيف الأمريكي، فقط أنشئت من أجل العرب والأفارقة والرؤساء المارقين أو البلطجية أمثال الرئيس الروسي بوتين، وليس لمحاكمة قادة أمريكا وضباطها وجنودها وقادة الدول الغربية، أو حلفائهم من "الديمقراطيين" أمثال قادة دولة الاحتلال. هؤلاء القادة الذين "تقطر الإنسانية من وجوههم"، وأيديهم لم "تتلطخ" بدماء الأبرياء، من أطفال ونساء في قطاع غزة، ولم يمارسوا بحقهم التجويع والحصار والقتل والاضطهاد والممارسات اللاإنسانية وفق قرار محكمة الجنايات الدولية. هذا القرار سيشكل حالة إرباك وقلق وخوف، ويزيد من حدة الانقسامات والصراعات داخل إسرائيل، فهذا القرار وصفه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بالفشل السياسي، في حين زعيم ما يعرف بالمعسكر الوطني بني غانتس وصفه بالعمى الأخلاقي والعار التاريخي الذي لا ينسى، أما بن غفير زعيم حزب القوة اليهودية، فقال بأن هذا عار لا مثيل له، ويجب مجابهة هذا القرار عبر زيادة الاستيطان وضم الضفة الغربية، وزيادة الضغط على السلطة الفلسطينية، وقطع العلاقات معها، وفرض عقوبات عليها، في حين قال رئيس وزراء الاحتلال السابق نفتالي بينت، إن من عليه أن يخجل قضاة المحكمة وليس إسرائيل، وكذلك زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي جون ثون، قبل صدور هذا القرار هدد بفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية، ووصفها بالمحكمة السيئة، وكذلك فعل وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر بوصف هذا القرار باللاشرعي، وأنه يمثل مرحلة سوداء في تاريخ هذه المحكمة، التي أصبحت أداة سياسية، على حد وصفه، بيد من يعملون على تقويض الأمن والسلم الدوليين، وبأن هذا القرار غير شرعي ويفتقر إلى الآلية التنفيذية، في حين قال رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، إن القرار معاد للسامية، وكذلك وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف، وصفا مذكرات الاعتقال بالسخافة القانونية.
هذا القرار المتأخر، شكل خطوة في الاتجاه الصحيح، وتطوراً نوعياً منذ 76 عاماً في مساءلة وإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة دولة الاحتلال، وتوجيه الاتهامات لهم بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويشكل انتصاراً سياسياً ودبلوماسياً، فلسطينياً بامتياز، وانتصاراً لكل أحرار العالم ومناصري المضطهدين والمظلومين في العالم، ونصراً للعرب والمسلمين، وإن كانوا دون مستوى التحدي والدعم والإسناد في هذا الجانب. ولعل من مفاعيل هذا القرار وتداعياته، أن حكومة الاحتلال، ستقدم على خطوات دراماتيكة في عمليات الضم والتهويد والطرد والتهجير، والسيطرة على الحرم الإبراهمي الشريف، حيث أن عضو كنيست إسرائيلياً عن الليكود، قال "يجب السيطرة على الحرم الإبراهيمي متراً متراً، أي تهويده بالكامل، وعلينا أن لا ننسى أن ذلك سيدفع نحو التقدم على صعيد تهويد القدس والأقصى.
هذا القرار ستتعدى أبعاده الجوانب القضائية والقانونية، وستكون له تداعيات بأبعاد فلسطينية وعربية ودولية، فهو قد يدفع بأمريكا إلى أن تنتقم من رئيس المحكمة الدولية وقضاتها، وتحد من حركتهم، وربما تعاقبهم مالياً، وقد تقدم على وقف تمويل محكمة الجنايات الدولية، وستطلب من حلفائها وقف تمويل المحكمة، تماماً كما فعلت في "شيطنة" وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا"، وقطع التمويل عنها، استناداً إلى اتهامات إسرائيلية، لعدد من العاملين فيها، لا يتعدى أصابع اليد الواحدة في المشاركة في معركة السابع من أكتوبر2023، دون تقديم أدلة وإثباتات قطعية، ما حدا بالدول الأوروبية الغربية إلى إعادة تمويل الوكالة، والتي عمدت إسرائيل لاحقاً إلى قطع العلاقات معها، واعتبارها منظمة غير مشروعة، وألغت الامتيازات الاقتصادية والسياسية الممنوحة للعاملين فيها.
هذا القرار من شأنه أن يعمق من أزمة وحصار إسرائيل على الصعيد الدولي، من حيث تحديد العلاقات معها من قبل دول العالم، ووقف التعاملات التجارية والاقتصادية، وقطع العلاقات معها، وصولاً إلى منع تصدير السلاح إليها، ونحن شاهدنا كيف أن أستراليا قد منعت وزير "العدل" الإسرائيلية السابقة أياليت شاكيد من دخول أراضيها خوفاً من التحريض والاحتجاجات.
في ظل هذا القرار فإن مسلسل التطبيع ما بين دولة الاحتلال وبعض الأنظمة العربية، سيصاب بضربة قاصمة، وسيضع العصي في مسنناته، وسيمنع دوران دواليبه، كذلك هذا سيشكل دعماً وإسناداً لجنوب أفريقيا والدول التي شاركت إلى جانبها، وانضمت إليها في رفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم فيها إسرائيل بإرتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
إسرائيل التي تقوم في قطاع غزة، وتحديداً في مناطقه الشمالية باستخدام التجويع كسلاح، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كاف، وارتكاب جرائم إبادة وتطهير عرقي، كما قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، في افتتاحية لجريدتها قبل خمسة أيام، بأن التطهير العرقي هناك يمارس بأوامر من نتنياهو وقادة الجيش، فهذا القرار قد "يفرمل" ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات وعمليات قمع وتنكيل وطرد وتهجير وتدمير.
وأمريكا الشريك المباشر في ما يرتكب من جرائم ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، عبر ما توفره من غطاء سياسي وقانوني ودعم عسكري ومالي لإسرائيل، فإن مفاعيل استخدامها في 19-11-2024، قرار حق النقض "الفيتو" للمرة الرابعة ضد وقف إطلاق نار دائم للنار في قطاع غزة، قد تجري محاصرة مفاعيله، وسيشكل عامل ضاغط على أمريكا، التي باتت وحيدة في استمرار دعمها لجرائم الاحتلال في قطاع غزة، والتي نتوقع أن تفرض عقوبات مالية على المؤسسة الدولية.
طلبة الجامعات ومنظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية، وحركة المقاطعة الدولية "بي دي أس"، سيوفر لها هذا القرار الفرصة لتصعيد نضالاتها وحملاتها واحتجاجاتها الشعبية، والمطالبة بوقف التعامل مع إسرائيل ووقف العلاقات التجارية والاقتصادية والأكاديمة معها، والدعوة إلى سحب الاستثمارات منها.
نتنياهو الذي وصف القرار بالمعاداة للسامية، وبأن المحكمة تستهدفه، سيوفر له فرصة كبيرة لتحقيق إجماع قومي صهيوني حوله، يدين محكمة الجنايات الدولية، باعتباره يتعرض لحملة شرسة وهو يقود حرب "الدفاع عن وجود الدولة، وبأنه سيسعى بشعبويته إلى تعزيز شعبيته وحضوره في المجتمع الإٍسرائيلي، وبالذات في أوساط اليمين واليمين المتطرف، وهو سيسعى أيضاً إلى تصوير نفسه على أنه ضحية ضحاياه من الفلسطينيين وأصدقائهم وأنصارهم في العالم.
هذا القرار إذا ما أحسن التعامل والتعاطي معه فلسطينياً وعربياً واسلامياً، وتم توظيف كل الطاقات والإمكانيات والقدرات العربية من ثروات نفطيه وغازية، وكذلك التعامل مع أمريكا وأوروبا الغربية على قاعدة المصالح، بحيث تشعر تلك الدول بأن مصالحها في العالم العربي ستكون مهددة، إذا ما واصلت دعمها لجرائم دولة الاحتلال، وكذلك إذا ما أقدمت الدول العربية المطبعة مع إسرائيل والتي لديها اتفاقيات ومعاهدات سلام على مراجعتها، فإن ذلك قد يدفع نحو تشديد الضغط على إسرائيل وحلفائها لوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني وفتح آفاق حقيقية لإنهاء الاحتلال، وخلق إمكانيات حقيقة نحو التقدم لحل سياسي، يحقق لشعب الفلسطيني جزءاً من حقوقه المشروعة، بإقامة دولة فلسطينية على جزء من أراضي فلسطين التاريخية.