الكوفية: على ضوء الأزمة الداخلية التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي في أعقاب تشكيل حكومة أقصى اليمين واليمين العنصري المتطرف، ومحاولتها الانقضاض على النظام السياسي، يبدو أن الخارطة الحزبية تشهد انزياحاً دراماتيكياً، قد يقود إلى خسران الائتلاف الحكومي القائم برئاسة بنيامين نتنياهو السلطة فيما لو جرت انتخابات قريبة. فجميع استطلاعات الرأي التي أجريت هذا الشهر تؤكد حصول المعارضة البرلمانية على أغلبية المقاعد في الكنيست فيما لو جرت انتخابات الآن.
والشيء المثير في الاستطلاعات الأخيرة هو تراجع شعبية نتنياهو على وجه الخصوص، حيث يفقد حزب «الليكود» عدداً كبيراً من المقاعد تعادل في بعض الاستطلاعات ما يقارب من ثلث قوته ويتراجع من 32 مقعداً إلى 20-26 مقعداً، وتفقد «الصهيونية- الدينية» و»قوة يهودية» بزعامة كل من بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير ما بين 4-5 مقاعد، وتخسر حركتا «شاس» ويهدوت هتوراه» مقعدين أو ثلاثة. أي أن كل أحزاب الائتلاف الحاكم تفقد من قوتها وأكبر الخاسرين هو نتنياهو الذي سيحصل ائتلافه على ما يقارب 51-54 مقعداً من أصل 120.
الرابح الأكبر هو بيني غانتس وحزبه «المعسكر الوطني» الذي ازدادت قوته من المركز الثالث من 12 مقعداً في الكنيست الحالية إلى ما بين 26-29 مقعداً ليصبح في المركز الأول، ويصبح بإمكان المعارضة تشكيل حكومة بسهولة إذا حصلت على دعم من الأحزاب العربية. حيث سيكون لديها ما بين 66-69 مقعداً. معظم الأصوات التي يحصل عليها غانتس من معسكر اليمين وجزء منها من حزب «هناك مستقبل» بزعامة رئيس المعارضة الحالي يائير لابيد الذي يتراجع حزبه من 24 إلى 19-21 مقعداً. بينما أحزاب اليسار الصهيوني «العمل» و»ميرتس» تراوح مكانها، ويتقدم «ميرتس» على حساب «العمل» الذي لا يتجاوز نسبة الحسم في معظم الاستطلاعات. ويبقى تمثيل الأحزاب العربية 10-11 مقعداً، وفي أحد الاستطلاعات حصلوا على 15 بعد أن تجاوز حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» نسبة الحسم.
هذه النتائج تشير إلى أن الانزياح في التأييد الشعبي يبقى محصوراً في اليمين وهو عملياً ينتقل من اليمين العنصري المتطرف إلى يمين الوسط الذي يمثله بيني غانتس الذي لا يتبنى موقفاً معتدلاً أو يسارياً من تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. فهو لم يعلن يوماً أنه يؤيد حل الدولتين، كما أن حزبه يضم مجموعة يمينية من «الليكود» سابقاً بزعامة جدعون ساعر الذي ابتدع مقولة أن الفلسطينيين احتلوا مناطق (ج) ويجب ردهم منها. وغانتس هو وزير الدفاع في حكومة لابيد الذي أطلق عمليات الاجتياح الدموية التي تتواصل اليوم والتي أسميت «كاسر الأمواج»، وراح ضحيتها عشرات الفلسطينيين. هذا بالإضافة إلى أنه سمح باستمرار وتوسيع النشاطات الاستيطانية. وفي عهده تم تجريم ست منظمات حقوق إنسان فلسطينية بادعاء أنها على علاقة بمنظمات «إرهابية».
الغضب الشعبي على نتنياهو بسبب الانقلاب على السلطة القضائية ترجم إلى مواقف مناقضة له ولحزبه في اليمين وأيضاً لقائمة «الصهيونية- الدينية» التي تتهم بأنها تقود إسرائيل نحو حرب أهلية ونحو دمار لدولة إسرائيل. ويؤخذ على نتنياهو أنه السبب في تراجع قوة الردع الإسرائيلية وتجرؤ معسكر الأعداء على مهاجمة إسرائيل من عدة جبهات. ويعرض جنود وضباط جيش الاحتلال لمحاكمات دولية. كما يتهم بأنه أساء للعلاقة الإسرائيلية- الأميركية وساهم في تدهور مكانة إسرائيل على الساحة الدولية.
غانتس من ناحية أخرى هو رئيس هيئة أركان ووزير دفاع سابق، وهذا من وجهة نظر الإسرائيليين يجعله موضع ثقة في موضوع الأمن. وهو طوال الوقت التزم بحديث رسمي ومتوازن، أقرب إلى معسكر اليمين. ولهذا يمثل بديلاً موثوقاً لنتنياهو، ويحظى بدعم واسع من قطاعات تنتمي للتيار المؤيد لحزب «الليكود» واليمين الأقل تطرفاً من تيار الصهيونية- الدينية. وازدياد شعبيته يساهم في كسب بعض مصوتي أحزاب الوسط كحزب «هناك مستقبل» وربما من جمهور المستنكفين وغير المصوتين في الانتخابات العامة.
بطبيعة الحال، ما يجري اليوم في التغييرات في حجم القوى السياسية يصلح فقط لهذا الوقت. وليس واضحاً كيف ستنتهي الأزمة: هل هي ستتفاقم حتى سقوط نتنياهو والذهاب لانتخابات مبكرة أم أن الأخير سيتراجع على حساب ائتلافه الذي قد يستبدل بائتلاف آخر؟. في كل الأحوال، ما تشهده إسرائيل غير مسبوق وهو عبارة عن عملية مخاض قد ينجم عنها تغيير جوهري في طبيعة النظام السياسي الذي يشهد صراعاً بين الصهيونية القديمة المعروفة منذ أيام بن غوريون التي حصلت عليها بعض التغييرات على المستوى الاقتصادي- الاجتماعي، وبين الصهيونية الجديدة التي تتسم بالفاشية والعنصرية وتهدد كيان إسرائيل وصورتها المقبولة لدى الغرب. ويبدو أن التغيرات التي قادها نتنياهو منذ حوالى عقدين من الزمن هي التي أفضت لهذا الواقع المعقد الذي يعتبر تطوراً طبيعياً لسياسة يمينية أيديولوجية.