الكوفية: ثلاث دول نووية، اثنتان منها دولتان عظميان، ليس استناداً إلى مكانتهما الاقتصادية والعسكرية وحسب، ولكن يدل على ذلك بشكل قاطع كونهما عضوين من أصل خمسة أعضاء في مجلس الأمن الدولي، الذي يضم الدول الخمس العظمى في العالم، أما الدول الثلاث التي نقصدها، فهي كل من كوريا الشمالية، الصين وروسيا. وغير خافٍ على أحد، بأن حالة الجفاء والتوتر القائمة بين الولايات المتحدة والدول الآسيوية الثلاث، مستمرة، تشهد حالياً المواقف المتضادة في الأمم المتحدة، وتصريحات المسؤولين على الجانبين، كذلك مجمل السياسات المتخذة من قبل طرف يضم الدول الثلاث من جهة وأميركا من جهة أخرى، وذلك رغم أن أميركا تقع في قارة هي أميركا الشمالية، وكل من شمال كوريا والصين تقعان في قارة آسيا، أما روسيا والتي تعتبر أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، فإن معظم مساحتها تقع في آسيا، فيما جزء مهم منها يقع في قارة أوروبا.
كذلك لا بد من الإشارة أولاً، إلى أن أميركا مقابل ما تكنّه من عداء للدول الثلاث المذكورة، فإنها تقيم علاقات التحالف الوطيدة مع جيرانهم، أي كل من كوريا الجنوبية، تايوان، وأوكرانيا، لدرجة أن تجعل أراضي تلك الدول بمثابة قواعد عسكرية لها، وهذا يعني بكل وضوح، بأن أميركا هي التي تذهب "لجر شكل" الدول الأخرى، فيما تلك الدول لم تفعل الأمر مثله بالمقابل، والسؤال الذي لا بد منه هنا هو: لماذا تذهب أميركا بعيداً عن حدود دولتها الجغرافية، وتقبع كما هي عادة الوحوش المفترسة، التي تجلس على مقربة من الفريسة، تراقب اللحظة المناسبة حتى تنقض عليها، وأكثر من ذلك أنها تدفع غيرها، تحديداً كلا من الصين وكوريا الشمالية وحتى روسيا، بشكل إجباري لتحديها وكراهيتها، ذلك أن أميركا ما زالت ومنذ سبعة عقود على الحرب الكورية، تحافظ على انقسام شبه الجزيرة الكورية، رغم مشاعر ومصالح الشعب الكوري في الوحدة، ورغم أن الحرب الكورية التي أدت إلى انقسام كوريا، بين جنوبية وشمالية، كان أحد نتائج الحرب الباردة، كما حدث مع ألمانيا واليمن، لكن انتهت الحرب الباردة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وما زالت أميركا تحافظ على انقسام كوريا.
بالطبع ذلك يعود إلى كون كوريا الشمالية اختارت نظام العدالة الاجتماعية ورفض الهيمنة الامبريالية الأميركية، وعززت قدرتها على التحدي بامتلاك السلاح النووي، كما أن أميركا تحمي تايوان الجزيرة الصينية، متجاهلة مشاعر الشعب الصيني، والذي هو أكثر شعوب العالم عدداً وتعداداً، والدنيا كلها تعرف بأن تايوان ما هي إلا جزء من البر الصيني، وقطعة من الدولة الصينية، وأن إعادتها للصين هدف قومي صيني، لذا فإن أميركا بحمايتها انفصال تايوان، إنما تتطاول على الحق الوطني للشعب الصيني، كما أن أميركا أيضاً، دخلت إلى "عب روسيا"، عبر ولوجها كل مسامات وتفاصيل أوكرانيا، بإقامة مراكز التجسس العسكرية الخاصة بها، على الحدود مع روسيا، وبعد أن لفظت روسيا ضعفها، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وأخرجت إلى حد بعيد خيوط العنكبوت الأميركي التي كانت متوغلة في الجسد الروسي، من خلال علاقات أميركا مع المافيات الروسية، ودفعت أميركا نظام زيلينسكي العميل لها، لجر روسيا بشكل إجباري إلى الحرب، بهدف استنزاف روسيا وإعادة احتوائها من قبل أميركا.
تفعل أميركا ما تفعله إسرائيل في الشرق الأوسط، بما يثير التساؤل حول رد فعل تلك الدولة العظمى، لو أن الآخرين عاملوها بالمثل، أو فكروا _على الأقل القيام بنفس الفعل الذي تقوم به_ فماذا لو أن الروس ذهبوا إلى كوبا ونصبوا صواريخ حاملة للرؤوس النووية، أو أنهم دفعوا كوبا أو المكسيك مثلاً للدخول في حلف مضاد للناتو، كما كان حلف وارسو إبان الحرب الباردة، ألم ينشأ التوتر في ستينيات القرن الماضي خلال ولاية جون كنيدي للرئاسة الأميركية، ونيكيتا خروشوف رئاسة الاتحاد السوفياتي، بما عرف بالتوتر حول خليج الخنازير الكوبي، والذي كاد يؤدي إلى حرب عالمية نووية في ذلك الوقت؟!
إنه منطق غطرسة القوة أولاً، ومنطق الاستعمار الذي ما زال يطل برأسه في واشنطن، ومثلها في تل أبيب، التي بدورها، تحاول أن تحرق الدنيا حول إيران، لمجرد احتمال أن تحصل على القنبلة النووية، مع أنها هي أي إسرائيل لديها عشرات القنابل النووية، وإسرائيل هي "الدولة" الأكثر عداء لغيرها من الدول في الشرق الأوسط، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ما زالت استعمارية، تحتل أراضي الغير، بل تحتل كامل أرض دولة فلسطين العضو في الأمم المتحدة.
تبيح أميركا، كما إسرائيل لنفسها ما تحرمه على غيرها، وهذا منطق عنصري، نازي تماماً، والذي دائماً يستند إلى "التفوق العرقي"، والتمييز القومي، ضد منطق العصر الإنساني، الذي يقول بالمساواة بين شعوب الأرض كافة، والعدالة الاجتماعية والسياسية بين كل بني البشر.
الغريب أن أميركا التي كانت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، تقيم وزناً ما للمنظمة الدولية، بحيث كانت تحرض على التسلح بقرار أممي لشن حروبها بإعادة السيطرة على بعض الجيوب التي كانت خارجة عن طوعها، وفعلت هذا عام 1990 حين شنت الحرب الثلاثينية على العراق، وفعلت الشيء نفسه _تقريباً، حين شنت الحرب على أفغانتسان عام 2001، لكنها قبل ذلك كانت شاركت بجيشها في الحرب ضد صربيا، دون مسوغ دولي، المهم، أنها تفتح أبواب الحروب الاقتصادية، وتحرض دول جوار الصين وروسيا وكوريا الشمالية، أي كلاً من تايوان، أوكرانيا وكوريا الجنوبية على محاربة جيرانهم، بل أشقاءهم، بالنيابة عنها، وهي تشارك بجيشها مباشرة حين تتطلب الضرورة ذلك، كما فعلت في فيتنام خلال القرن الماضي، حيث كانت شقت فيتنام، إبان الحرب الباردة لدولتين شمال شيوعي وجنوب عميل لها، حاربت مع عملائها إلى أن سقط النظام العميل، وطُردت هي من فيتنام.
ويبدو أن السبب يعود إلى مخزون وعي في الذاكرة، حين كانت أميركا تجد رادعاً إبان الحرب الباردة، لذا كانت تلجأ للأمم المتحدة، حين يمكنها ذلك، أما بعد عقود من انتهاء الحرب الباردة، حيث اعتادت أميركا على التفرد بقيادة العالم، فباتت مثل الحاكم الفرد المستبد، تتصرف دون استشارة أحد، ووفق دوافع الذات والأنا الخاصة، ولكن لكل هذا نهاية، خاصة في عالم يسير بشكل حثيث ومتواصل نحو التجانس البشري.
مختصر القول بأن أميركا على الصعيد الكوني، وإسرائيل على الصعيد الإقليمي، تمارسان سياسة ذاتية أنانية، عنصرية نعم، كونها تخرج عن إطار منطق المساواة في الحقوق والواجبات بين الشعوب والدول، وهذا المنطق لا بد أن يتم تعميمه في الكفاح ضدهما، وألف باء ذلك الكفاح، هو أن تسأل أميركا، حول إمكانية أن تقبل بأن تذهب الصين وروسيا وحتى كوريا إلى كوبا، كندا، أو المكسيك، بل إلى كاليفورنيا لتدعم انفصالها أو عداءها للولايات المتحدة، هل كانت تقبل بأن تقيم روسيا قواعد نووية لها في نيكاراغوا مثلاً؟، أو أن تعقد الصين اتفاقاً عسكرياً مع فنزويلا يتضمن الدفاع النووي عنها، كما فعلت مؤخراً مع كوريا الجنوبية؟!
أما إسرائيل، فلا بد أن يسألها العالم بأسره عن سلاحها النووي، قبل أن تتفوه بأي كلمة تجاه الجهد النووي الإيراني، كذلك الأهم هو أن تُسأل إسرائيل عن رد الفعل على مقتل اليهودي الإسرائيلي بنفس الدرجة من رد الفعل على مقتل العربي الفلسطيني، لأن إسرائيل التي تبيح لنفسها ارتكاب المجازر بحق الآخرين، في حالة مقتل أحد مواطنيها، ما هي إلا دولة تمييز عنصري، لأنها فقط لا ترى بأن حياة الفلسطيني تساوي اليهودي الإسرائيلي، أو أن للفلسطيني أصلاً الحقَّ في الحياة كما كل بني البشر.