واضح ان إسرائيل وجيشها لم يقرروا هم هذه الجولة من القتال مع المقاومة الفلسطينية في غزة العزة، وإنما جاءت ردا على إنطلاق الصواريخ من قبل المقاومة، وهنا النقطة المركزية، أي ان الهدف هو عدم تغيير قواعد الإشتباك "حتى الآن" وهذا كما يبدو رأي الجيش والمؤسسة الأمنية، لذلك جاء القصف الإسرائيلي اقوى من سابقاته ولكن ليس لدرجة أن يؤدي لمعركة اطول، حتى انهم قبل القصف تحدثوا عن ساعات وعن حد اعلى 24 ساعة، وهذا يشير للتالي:
أولا- لا زالت المنظومة العسكرية والأمنية في طور التحضير الجدي لإعادة ردعها الذي تآكل، أي ان التصعيد قادم لا محالة.
ثانيا- لا زالت هناك محاولات لرأب صدع النظام السياسي في إسرائيل من خلال محاولة إستقطاب "غانتس" كبديل عن الصهيونية الدينية وعوتسمات يهوديت، ولكن حتى الآن "غانتس" يرفض وأعلن ذلك في لقاء تلفزيوني لأنه يرى نجمه يصعد بسرعة البرق.
ثالثا- لم تخسر إسرائيل شيء إستراتيجي مهم ولم تربح ايضا بالمعنى الردعي لقوتها لأن طبيعة ما حدث منذ شهر رمضان وحتى بعد هذه الجولة كما هو لم يتغير، تآكل للردع على مستوى الجبهات كلها، وإنشغال دائم بساحة الضفة والقدس "هذا يقلقهم كثيرا" والأزمة الداخلية لديهم مستمرة.
رابعا- ما حققته إسرائيل هو عودة تماسك الجيش بإعتباره جيش الشعب والإجماع خلفه في اي مواجهة وبالتالي عودة القضايا الأمنية كأولوية على أجندة دولة إسرائيل.
خامسا- جعجعة بن غفير الإعلامية رغم كونه متطرف ومؤدلج ومستعد للجنون، إلا أنها ليست سوى جعجعة إعلامية لهدف إبتزاز نتنياهو اكثر وهي موجهة لجمهور ناخبيه ثانيا، والحقيقة ان مصلحته في بقاء الحكومة أكبر بكثير من تفكيكها فهذا يخرب عليه وعلى برنامجه، يذكر أن نتنياهو نفذ المطلوب وفق الإتفاقيات الإئتلافية، وقضية حضوره للمشاورات غير قانونية وغير ملزمة وفقط يستطيع نتنياهو كرئيس وزراء دعوته إذا رغب.
سادسا- كل ما حدث أعتقد انها مناورة عملية لما سيأتي مستقبلا وفق أجندة الجيش والأمن وليس وفق ردات الفعل.
أما المقاومة
أولا - أكدت المقاومة على وحدتها وإنسجامها في الفكر والإرادة والأهداف، وأن قضية الأسرى ستدفع نحو تصعيد قد يصل لمعركة وهي مستعدة لدفع أثمان ذلك.
ثانيا- تثبيت قواعد الإشتباك وتأكيدها من جديد.
ثالثا- أثبتت المقاومة قدرتها العسكرية واستطاعت تحديد طبيعة الجولة عبر سياسة القصف من حيث النوعية والجغرافيا وحجم القصف، اي أنها كانت تدرك طبيعة القرار الإسرائيلي بالرد وحجمه وهي تعاملت وفقا لذلك.
الخلاصة
إسرائيل قوية عسكريا من حيث العدة والمعدات وحجم قوة النيران والتكنولوجيا...الخ، لكنها لا تحتمل حرب إستنزاف وهي تريد معركة سريعة وصادمة تنجز فيه أهدافها وتحقق غاياتها وبحيث هي من تحدد الزمان والمكان والحدث الذي يؤدي لذلك، وهي عيونها على أكثر من جبهة، لذلك جولة ليلة امس ليست جزءا مما تخطط لفعله، وأعتقد انها تفكر بالتالي:
1- لن تسمح بتحول سوريا لجبهة مستقرة قادرة على مواجهتها كما لبنان.
2- المعركة الأساسية بالنسبة لإسرائيل الآن هي سوريا والشمال وهناك تريد تثبيت قوة ردعها وتفرض معادلات جديدة ولكنها في حيرة لأنها حتى الآن لا تعرف كيف؟!!، فالحرب لا تعني انها قادرة على تحقيق اهدافها.
3- إسرائيل تعلم أن إعادة قوتها على مستوى الإقليم يتطلب عمل كبير يؤدي لإعادة الثقة فيها وهذا يستدعي تعميق التحالف الأمني والإستراتيجي مع الولايات المتحدة، ويبدو ان نتنياهو يماطل وينتظر قدوم الجمهوريين للبيت الأبيض، لكن هذا لا يعني أنه لن يتحرك قبل ذلك إذا ما قرر الجيش ذلك وفق رؤيته وإستراتيجيته.
4- فصائل المقاومة ومحور المقاومة عليهم ان يؤكدوا دائما على وحدة الجبهات والساحات وتفعيلها في كل مرة خاصة بالرد على قصف سوريا، مع أهمية بقاء ساحة الضفة والقدس فاعلة.
الأمور كلها في مخاض ولم تتضح بعد طبيعة ما سيكون نتيجة لما يحدث على الصعيد الدولي من حرب في أوروبا وتسخين على حدود الصين، والأقليمي من تبريد لدرجة الإعتدال التام بين السعودية وإيران وتأثيره على بقية الساحات والدول، مما يترك الصراع بين محور المقاومة برئاسة إيران، وإسرائيل التي أصبحت تفقد محورها بعض الشيء وتفقد هيبتها في المنطقة ككل، وهذا بالضرورة سيؤدي لمواجهة حتمية نتائجها هي من ستحدد ما سيكون عليه مستقبل المنطقة، لكن كل المعطيات تشير إلى هبوط إسرائيلي أمريكي، وصعود إيراني صيني وروسي، ويبدو أن سوريا كالعادة هي التي ستؤكد على ذلك، لأنها قلب محور المقاومة النابض، وزيارة السيد إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بداية النهاية لعودة سوريا في قلب كل المعادلات في الإقليم وحتى على المستوى الدولي.