لأول مرة تعطي استطلاعات الرأي تفوقا كبيرا لبني غانتس على بنيامين نتنياهو، إذا ما جرت الانتخابات هذه الأيام.
بني غانتس، وحين كان وزيرا للدفاع في حكومة بينيت - لابيد، افتتح قناة اتصال مباشرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي لقائه الذي تم في منزله بقرية «رأس العين» جرى تبادل هدايا بين الرجلين، وكان ما حصل عليه عباس قارورة زيت كبادرة حس نية من قبل الرجل، الذي يقود جيش إسرائيل المنتشر بكثافة في جميع أرجاء الضفة المقسمة إلى ثلاثة حروف أبجدية «أ، ب، ج» مع انتشار بري وبحري وجوي فيما يسمى بغلاف غزة، حيث يقوم جيش «الدفاع» بحروب واسعة في بعض الأحيان، وانتقامية محدودة في كل حين، مع حصار دائم.
بمقياس السيئ والأقل سوءاً، يبدو تفضيل عباس لغانتس منطقيا، إذا ما قورن بنتنياهو وحتى لبيد وبينيت، غير أن رياح غانتس لم تأت بما اشتهت سفينة عباس، فغاب الرجل وقارورة الزيت عن رأس السلطة والقرار، ليعود نتنياهو من جديد، ليس بفعل قوة أنصاره وتابعيه وحلفائه، وإنما بفعل فشل غانتس وحلفائه في إدارة معركة الانتخابات الأخيرة، التي ما تزال نتائجها ماثلة عبر أغلبية برلمانية مريحة، لم يكن حتى نتنياهو ذاته يتوقعها.
بني غانتس يتطلع لأن يكون امتدادا لإسحق رابين، رغم الفوارق الكبيرة في الخصائص التاريخية والقيادية والكاريزما بين الجنرالين.
وكل ذلك يسجل لمصلحة رابين، أما ما هو في مصلحة غانتس فهو أنه الجنرال الوحيد المنافس لنتنياهو الآن.
ومعروف عن الناخب الإسرائيلي أنه يميل إلى الجنرالات، ويفضل الإدلاء بصوته لصالح أي منهم، حتى باراك الذي وصفه المفكر المخضرم يوري أفنيري بـ«مجرم سلام»، استفاد من إيقاع الجنرال وصورته ليفوز برئاسة الحكومة باقتراع عام ومباشر.
وفي مصلحة غانتس كذلك كونه الرجل الأكثر تأهيلا للحلول الوسط في اللعبة الإسرائيلية الداخلية، وهذا ما حدث معه حتى في حياته العسكرية والسياسية، حين حظي بمنصب رئيس الأركان، مع أنه لم يكن أقوى المرشحين في التراتبية التقليدية للموقع العسكري الأهم في الدولة.
وضعه الآن، إذا ما واصل الصعود، أو احتفظ بتفوقه، يؤهله لأن يكون الأوفر حظاً في قيادة ائتلاف يطيح بنتنياهو ويتولى رئاسة الحكومة بأغلبية برلمانية مريحة، يدعمه فيها بصورة مباشرة وغير مباشرة النواب العرب الذين تتوفر لهم فرصة أن يكونوا للمرة الثانية بيضة القبان في مرحلة ما بعد نتنياهو.
السؤال الأهم والأكبر الذي يهم الفلسطينيين وكثيرين غيرهم على المستوى الأميركي والأوروبي والدولي هو، هل سيفتح ائتلاف غانتس المفترض أو المحتمل الباب الذي أغلقه نتنياهو، أي ما اصطلح على وصفه بـ«الأفق السياسي» الذي تطالب به دول معسكر الاعتدال العربي، ومعظم دول العالم، أم إن رمال الوضع الداخلي المتحركة في إسرائيل ستبتلع اعتداله النسبي، كما ابتلعت قارورة الزيت، وما كانت تحمل من مغزى في حينه!
الإجابة غير محسومة عن هذا السؤال، ما دمنا بعيدين عن حتمية انتخابات عامة، وما دامت إسرائيل ذاتها تعيش تفاعلات عميقة وشاملة غير مقروءة النتائج بدقة، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد العلاقة مع الفلسطينيين.
الشق الآخر من المعادلة هو، ماذا بوسع غانتس أن يفعل إذا ما غاب عباس عن المشهد الفلسطيني المتداخل بجملته وتفاصيله مع المشهد الإسرائيلي، وإذا ما تجددت قيادة الإدارة الديمقراطية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة أو أخفقت لمصلحة المنافس الجمهوري، صاحب صفقة القرن؟
أسئلة واقعية وعملية لا تصح معها الاستنتاجات ولا مؤشرات الاستطلاعات المبكرة، إلا أن المقياس المعتمد إزاء قادة إسرائيل، أي الأسوأ والأقل سوءاً، يجعل عباس يواصل تفضيله لغانتس وهداياه، شريطة ألا يخذل الثاني نفسه ويخذل الرهان عليه!.