الكوفية: أبرزَ استطلاعُ الرأي الأخير لمركز البحوث والسياسات المسحية أن غالبية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بواقع 68% مع إجراء الانتخابات العامة، بينما عبرت أقلية من 28% عن عدم رغبتها في إجراء هذه الانتخابات. وترتفع نسبة المطالبة بتأييدها في قطاع غزة عن مثيلتها في الضفة الغربية بواقع 76% و 63% على التوالي، بينما ترتفع نسبة المتشائمين الذين لا يتوقعون إجراء الانتخابات أصلاً لتصل إلى نسبة 69%، وفحَص الاستطلاع مدى تأييد القطاعات المختلفة لمرشحي الرئاسة المحتملين وعن مدى تأييد الجمهور للقوى السياسية.
ظهرت هذه النتائج على اثر استطلاع نفذه المركز في نيسان الماضي، وقد اشتبك الاستطلاع مع القضايا الرئيسية الساخنة والملحة التي تشغل الجمهور، ومنها ما له صلة بالموقف من تأييد المقاومة وأشكالها، وكذلك الموقف من حل الدولة والدولتين، وحول اجتماعَي العقبة وشرم الشيخ والتنسيق الأمني، في واقع لا يشهد كثيراً من الحوار المفتوح والمنظم حول مختلف القضايا التي تستأثر باهتمام الشعب الفلسطيني.
كما جاء الاستطلاع في ذكرى مرور عامين على صدور المرسوم رقم 12 لسنة 2021 تاريخ 30 نيسان 2021 الذي قضى بتأجيل الانتخابات التشريعية الثالثة التي كان مزمعاً إجراؤها في 22/5/2021 بسبب عدم سماح الاحتلال بإجرائها في القدس المحتلة، دون تحديد المدة التي يتطلبها التأجيل. وقد مرت هذه الذكرى بهدوء تام من دون أن تذكّرنا الفصائل والهيئات المختلفة بأن ثمة نقصاً كبيراً وفادحاً في حياتنا، فمع مرور الوقت تولد انطباع لدى المتابعين بأن القرار المتخذ يقضي بإلغاء الانتخابات وليس تأجيلها.
قوبل قرار التأجيل وقت صدوره بالرفض وتوجيه الانتقادات اللاذعة، بسبب عدم إجراء حوار وطني، وعدم التشاور مع أصحاب العلاقة في الهيئات المسؤولة ولا مع الفصائل والقوائم المرشحة حول صحة القرار وتداعياته المحتملة على الرأي العام، أو على الأقل التداعي للتباحث والتشاور بشأن البدائل كما يقتضي الحال والمسؤولية، لم يجر أي شكل من الحوار، مع القوى الشريكة أو مع الخصوم السياسيين، الأمر الذي استفز أغلبية القوى السياسية والمؤسسات الأهلية والفعاليات والحراكات، كما رُفض القرار من قبل عديد القوائم المرشحة التي بلغ عددها ستاً وثلاثين قائمة في سابقة فلسطينية كشفت عن التغيير الواقع على طبيعة القوى المتشكلة وبروز قوى جديدة تتطلع للمشاركة في المجلس التشريعي بعد خمسة عشر عاماً من الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، حيث اقتصر الترشح على إحدى عشرة قائمة تعبِّر في معظمها عن الأحزاب والقوى السياسية المعروفة، إضافة الى بضع قوائم تعبر عن ائتلافات المستقلين، يمكن تفسير هذه الظاهرة بالتحولات الجارية في المجتمع، والتغيير الجاري على الخريطة التنظيمية والسياسية وما أفرزه الانقسام الطويل الأمد من فجوات عدم الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة، وأثرها على زيادة التنافر والتباعد وبدأت علائم الخلخلة والشروخ تغرز عميقاً في النسيج الاجتماعي، ما أدى إلى فكفكة تدريجية للبنى الرسمية، التي فقدت (إلى جانب شعبيتها) سيطرتها على الواقع ومجريات الأحداث، ما أضعف المجتمع وجعله مُضَعضَعاً ومنقسماً وشبه مشلول، وفاقداً للمناعة.
يرى كثير من المحللين والمراقبين أن مصالح فئوية وتنظيمية واستمرار الإمساك بالسلطة والسيطرة عليها تقف خلف السبب في إلغاء، وإقرار، وتأجيل، الانتخابات أو عدم المشاركة بها، حتى وإن اختبأت خلف مصطلحات غير مُعَرَّفة بدقة أو بشكل متفق عليه مثل المصلحة الوطنية العليا، وبات من المعروف بأن المجتمع الدولي ليس معنياً بما نعتبره نحن المصلحة الوطنية العليا.
آخر الكلام المباح، ودون تضخيم الحجارة لأنها قلما تصيب، الانتخابات التشريعية للمجلس التشريعي أصبحت بارقة الأمل الوحيدة التي على الجميع المطالبة بها وتنظيم الحملات الواسعة والمستمرة للضغط من أجل صدور مرسوم يقضي بإجرائها فوراً دون تأخير، كونها استحقاقاً دستورياً وديمقراطياً وشعبياً، دون أن تترافق مع طلب أي تعديلات على قانون الانتخابات العامة مهما بلغت أهميته من التعديلات التي لطالما حملها المجتمع المدني وروّج لها، لكن من الممكن وضعها جانباً بسبب الواقع الاستثنائي الفلسطيني الشاذ وعصر المناقصات، رغم أن العديد قد تكيف مع الاستثنائي وأصبح كالاعتيادي، عندما أصبحنا بلا قيادة حقيقية.
ليس ثمة رهانات كثيرة بيدنا على تغيير الواقع المعاش، لكن الانتخابات قد تُغير المشهد المقيت.