الكوفية: العدوان الدموي الإسرائيلي على قطاع غزة أمس جريمة أخرى إضافية تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بشكل يومي وبصورة منهجية، بهدف تحطيم إرادته المعنوية وثنيه عن المطالبة بحقوقه المشروعة، وفرض الاستسلام عليه والقبول بالمشروع الصهيوني في نسخته العنصرية الفاشية الجديدة الذي يرفض الإقرار بوجود الشعب الفلسطيني وبأي من حقوقه، ويصر على اعتبار فلسطين التاريخية "حقاً" حصرياً لليهود.
في الواقع، الهجوم على غزة كان متوقعاً على ضوء المأزق الذي يعانيه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية وائتلافه الحاكم الذي بدأت شعبيته في الانهيار بصورة غير مسبوقة خلال أربعة شهور منذ تشكيل الحكومة، لأسباب عديدة منها الانقلاب على السلطة القضائية الذي ينبئ بتحول النظام السياسي في إسرائيل إلى دكتاتوري لا يمت للادعاءات بالديمقراطية بصلة، وسوء الأوضاع الاقتصادية في ظل الغلاء الكبير وهبوط القدرة الشرائية وانخفاض التصنيف الائتماني لإسرائيل، وكذلك تدهور الوضع الأمني تآكل قدرة الردع الإسرائيلية. ويعطي الجمهور الإسرائيلي تقييماً سلبياً لأداء حكومة نتنياهو بالمقارنة مع سابقتها التي رأسها نفتالي بينيت ويائير لابيد . ومن الواضح أنه في هذا التوقيت يخسر نتنياهو الأغلبية في كل استطلاعات الرأي الأخيرة التي لا تمنح ائتلافه ما يزيد على 52 مقعداً من أصل 120، بينما تحصل المعارضة على 63 مقعداً. وهذا عملياً يجعله يفقد توازنه خصوصاً وأنه كان رجل الاستطلاعات والزعيم المتوّج، إلى أن انخفضت شعبيته عن منافسه بيني غانتس الذي صار المفضل على الجمهور الإسرائيلي كرئيس حكومة.
لا يواجه نتنياهو المعارضة والرأي العام المعادي له فقط، بل إنه يتعرض لضغوط كبيرة من شريكه في الحكومة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي توقف عن المشاركة في اجتماعات الحكومة والتصويت لصالح مشاريع قراراتها في الكنيست، بسبب احتجاجه على ضعف الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، كما هدد بعدم التصويت لصالح الموازنة العامة بما يعني سقوط الحكومة. وبالتالي فهو تحت ضغط كبير يمكن أن يهدد بقاءه في الحكم، وعليه قرر العمل ضد الفلسطينيين. فمن جانب يستطيع أن يقول إنه يعمل من أجل استعادة قوة الردع، ومن جانب آخر، يمكنه إرضاء بن غفير وإعادته للعمل مع الحكومة. والهدف الثاني تحقق، بل إن الأخير يحاول أن ينسب لنفسه هذا العدوان ويدعي أنه لولا الضغط الذي قام به لم يكن نتنياهو يذهب إلى ضرب غزة.
الجريمة ضد غزة هي بالنسبة لنتنياهو أقل الأخطار، حيث يتوقع أن تسيطر إسرائيل على الموقف حتى لو باندلاع مواجهة مع غزة لعدة أيام. وقد استعدت إسرائيل لذلك بل وهددت في رسائل بعثتها عبر الوسطاء إلى حركة "حماس" بأنها ستلجأ لاغتيال قادة الحركة وعلى رأسهم يحيى السنوار إذا شاركت "حماس" في الرد على هذا العدوان. وتتوقع أوساط إسرائيلية أن تمتنع "حماس" عن المشاركة بفعالية في الرد على الجريمة الإسرائيلية. ولسان حال نتنياهو يقول إنه يريد البقاء على حساب الدم الفلسطيني، كما قامت حكومته على قاعدة تطبيق ضم المناطق الفلسطينية وتهويد القدس وقطع الطريق على فكرة حل الدولتين بصورة نهائية.
الحسابات الإسرائيلية لا تنجح دائماً في توقع سلوك الشعب الفلسطيني، فبعد الانتفاضة الأولى ومؤتمر مدريد واتفاق "أوسلو"، لم يتوقع الإسرائيليون أن تحدث انتفاضة ثانية، وتكون قاسية يدفع فيها الفلسطينيون والإسرائيليون ثمناً باهظاً. وبعد عملية الاجتياح "السور الواقي" في عام 2002، اعتقدوا أن الفلسطينيين لن يجرؤوا على العودة للكفاح المسلح. ومنذ عام 2015 بدأت العمليات الفلسطينية التي تعاظمت إلى ما وصلنا إليه اليوم، ولا تزال الساحة مفتوحة أمام احتمالات التصعيد في ظل الجرائم الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
ما حصل أمس سيكون دافعاً إضافياً للفصائل الفلسطينية وحتى بشكل فردي للاستمرار في مقاومة الاحتلال وعمل كل شيء ممكن لجعل الاحتلال يدفع الثمن. وهذا لسبب جوهري هو انعدام الأفق السياسي وفقدان الأمل في التوصل إلى تسوية سياسية للصراع تنهي الاحتلال وتحقق للفلسطينيين حقوقهم الأساسية. كما أن جرائم قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين اليومية هي أيضاً تصب الزيت على النار.