الكوفية: العدوان الإسرائيلي الجديد ..على قطاع غزة ، وتزامنه مع اقتحام لنابلس .. لا يحمل أي جديد في التعامل الإسرائيلي العسكري مع الساحة الفلسطينية .. ولا ينطوي على تغيير في قواعد اللعبة ..ولا حتى عودةً لسياسة الاغتيالات التي لم تتوقف أصلاً في كل مكان يتوفر فيه هدف موات.
العدوان الأخير ..كان ينبغي أن يكون متوقعاً ..بحكم المقدمات التي سبقته .. فالمعارضة استخدمت تباطؤ الحكومة كدليل على فشلها في تفعيل قوة الردع التي تآكلت في عهدها.. اما الحكومة التي أوشكت على التفكك حول هذه المسألة بالذات ..فكان حتمياً أن تقوم بعمل مدو.. وكان قادة الجهاد في غزة ..هم الهدف الأكثر جاذبية.
رئيس الحكومة ، الذي قاد أكبر مهرجان استعراض للقوة من خلال المؤتمر الصحفي ، الذي أداره مع وزير الدفاع ، ورئيس الأركان ، ورئيس الشاباك – استنفر، " موهبته الإعلامية" و بحدها الأقصى – مخاطباً الجمهور الإسرائيلي المنفض من حوله ، و مخاطباً المعارضة المتربصة به ، و مخاطباً الائتلاف الذي هزه احجام بن غفير عن المشاركة في جلساته الحكومية والبرلمانية مظهراً بأنه عاد الى منصة البطل ، الذي يستحق الرهان عليه ، ليس بفعل العمل الانتقامي الذي أداه في غزة ، و لكن بتضخيمه للتحديات التي ستواجهها إسرائيل بعد موقعة " السهم والقوس" ، ولقد شاع مصطلح قديم جديد ..هو الحرب على عدة جبهات في وقت واحد ..الجبهات العديدة التي تباهى نتنياهو بقدرته على مواجهتها والانتصار عليها .
أهمها الجبهة المزدوجة .. أي الشمالية ..حيث الجولان المحتل الذي انطلقت اليه قذيفة ، ربما تكون سقطت على الأرض السورية ، وجبهة الجنوب اللبناني التي نسب آخر عمل عسكري انطلق منها الى فصائل فلسطينية جاء اتهامها من قبل إسرائيل حزب الله – تفاديا لأحراج عدم الرد المباشر عليه ..
بمنطق التباهي المقترن بمنطق التخويف ، بأن حكاية الجبهات المتعددة تلزم لكل من يحتل موقع رئيس الحكومة في إسرائيل .. الا أنه يلزم أكثر لنتنياهو تحديدا من خلال اصابته لعدة أهداف في وقت واحد..
أول الأهداف و أكثرها الحاحية .. هو جنرال المعارضة الصاعد بقوة في الاستطلاعات "بيني غانتس" الذي هدد مكانة نتنياهو حد السقوط الحتمي في الانتخابات القادمة .
وثاني الأهداف .. اقطاب حكومته الذين تمادوا في ابتزاز تردده في التبني الكامل والصريح لبرامجهم، و سموترش و بن غفير ليسا التحدي الوحيد الذي ظهر في هذا السياق .
و ثالث الأهداف .. وهو تقليدي ونمطي لا جديد فيه غير التوقيت ، وجهه للشوارع المكتظة بالمتظاهرين ضده ، محاولاً قلب الأولويات ، فبدل معارضة "الإصلاحات القضائية" بهذه الفعالية والكثافة ..فلتذهب إسرائيل كلها تحت قيادته لمواجهة الجبهات الافتراضية ..والجبهة الحقيقية في غزة والضفة..
ولعبة كهذه ، استخدمت فيها أربعون مسيرة ، لاغتيال ثلاثة قادة في بيوتهم ، لا تخلو من أهداف تكتيكية افصح عنها نتنياهو ..وهي عزل قوى وفعاليات الجبهة الفلسطينية الممتدة من غزة حتى القدس والى جنين ونابلس ..ذلك بالتركيز على الهدف الراهن والمباشر ، وهو الجهاد الإسلامي، مع تركيز على عزل حماس ، تماماً بما هو قريب من منطق عزل السلطة عن حربه في الضفة ، وفي الوقت الذي يجري الحديث فيه عن وحدة الساحات ، يجري العمل الإسرائيلي على تفكيك قوى الساحة الأهم –"الفلسطينية".
اللعبة التي يقودها نتنياهو ، سوف تتواصل ، فقد أضحت شرط حياة وبقاء له ولحكومته ، وكذلك مجال استثمار يراه مجدياً ومريحاً لاستعادة العرش الذي اهتز على مدى الشهور القليلة التي عاد فيها الى الجلوس عليه .. فإن تطلبت أهداف لعبته تصعيداً كبيراً، فلن يتردد في الإقدام عليه وان تطلبت تهدئة تكتيكية استعداداً لجولة جديدة فلا بأس .
ذلك بالضبط ..هو نهج نتنياهو ، الذي يرى في إسرائيل مطية يعمل بها كيفما يشاء ، كي يبقى على العرش ، أو يعود اليه حين يضطر الى النزول عنه .