الكوفية: يلجأ الاحتلال الى سياسة الاغتيالات عند الوقوع في الأزمات الداخلية وأراد نتنياهو في جولته الحالية التي تمثلت ببدايتها باغتيال قيادات الجهاد الإسلامي أن يُحقق أكثر من هدف وتكتيك أولها إرضاء بن غفير بعد تهديده بالانسحاب من الحكومة الائتلافية وهذا يعني إسقاط الحكومة والذهاب لانتخابات مُبكرة وبالفعل رضخ نتنياهو لذلك خوفاً على كرسيه وسقوط حكومته يعني الذهاب إلى محاكمته بسبب قضايا الفساد، والهدف الآخر إعادة شعبيته بعد ظهور استطلاعات الرأي أنها أصبحت في الحضيض مُقابل ارتفاع أسهم غانيتس، أما التكتيك الذي أراد أن يُحققه هو إظهار ذاته كصاحب مُباردة عسكرية سياسية والحامي للتيارات اليهودية وقادر على توحيدها وتكريس قُدرة الحكومة على استهداف الفصائل في ظل تهديدات متعددة الجبهات، وأراد تعزيز وحدة الموقف الداخلي الاسرائيلي وتحصيل الدعم من جميع الأطراف من بينها المعارضة التي شجعت على ارتكاب هذه الجولة لفترة مُحددة ليس لكون هذه العملية لها أثر سياسي عليها وانما أرادت الظهور بأنها لا تستخف بالأمن القومي الاسرائيلي حتى لا يتم زعزعة ثقة الجمهور الاسرائيلي بها.
ولكن تأخر رد المقاومة لساعات طويلة جعل الاحتلال في إرباك حول ماهية الرد وهذا ما ازعجه حيث كان مُعتقداً أن الجهاد الإسلامي سيرد مباشرة على سياسة الاغتيالات بحق قادتها وهذا يعني نجاح خطة نتنياهو، لكن الجهاد الاسلامي كان ذكياً في إدارة المعركة اضافة الى شركائه في الغرفة المشتركة حيث كانت ردات فعل المقاومة متوازنة لأنها تعلم تماماً أن هذه الجولة كانت هدية صُلحة لإرضاء بن غفير وتوحيد الجبهة الداخلية الاسرائيلية، لكن انتظار الجهاد لساعات ومن ثم اشتداد الضربات على اسرائيل افشل جميع مخططات نتنياهو والتي من بينها إنقاذ ذاته، وايضا افشلت المقاومة ضرب الوحدة الداخلية الفلسطينية حيث كان هدف الاحتلال الاستفراد في حركة الجهاد الاسلامي وتحييد "حماس" وضرب الاسافين في قوى المقاومة ومن ثم زرع الفتنة والصراع الداخلي، لكن ظهور بيان من الغرفة المشتركة والرد على صواريخ الاحتلال أكد تماسك قوى المقاومة ووحدة الموقف وهذا ما أجج الخلافات في الموقف السياسي والامني الاسرائيلي.
بعد رد الجهاد الاسلامي أصبح الاحتلال في حيرة هل يستكمل الجولة وهذا يعني الدخول في حرب استنزاف تضر بجميع الأطراف فعلى صعيد الاحتلال فان استمرار الجولة يعني خسائر اقتصادية ومعنوية واستمرار حالة الخوف والقلق في المجتمع الاسرائيلي وخسارة ما انجزه نتنياهو في بداية الجولة والذي اعتبره نصراً. لكن بعد رد "الجهاد" أراد نتنياهو استكمال الجولة لفرد عضلاته ولكن الرد الأكبر والمتواصل من الحركة والشركاء وضع نتنياهو في مأزق فعلي، فيما استمرار الجولة على القطاع لها داعيات سلبية بالتحديد وجود الخسائر البشرية.
هل نجحت عملية ثأر الأحرار؟
اتبع الجهاد الاسلامي في المعركة الحالية عُنصرين : عنصر المفاجأة وعنصر الحرب النفسية التي أقلقت العدو في طبيعة الرد على جرائمه، ونفذت الحركة وشركائها ما وعدوا به بالرد على الجريمة النكراء بحق اغتيال قيادات "الجهاد"، وكما ان موقف الفصائل في غزة كان موحداً ومنسقاً ومنضبطاً ومسيطراً ومداراً برؤية مشتركة وهو ما أفشل خطط الاحتلال في ضرب الجبهة الداخلية.
ورغم وجود العُملاء في القطاع، إلا أن حركة الجهاد استطاعت ان تضرب بوقت ومكان غير متوقعين وصلت تل ابيب ومحيط القدس وهذا يعني امتلاك الجهاد صواريخ بعيدة المدى ذات رؤوس متفجرة واستطاعت تلك الصواريخ ان تفشل في بعض الاحيان عمل القبة الحديدية "الذهبية" بسبب قدرة المقاومة على تحديد الاطر العامة لمنظومة القبة والتعرف على ميزة التباينات في محرك الاطلاق المرتفع والمنخفض حيث ان القبة لا تتعامل مع هذه التباينات.
واستطاعت المقاومة من خلال اطالة الجولة ان تفتح المجال للمعارضة بان تطلب من نتنياهو ان يوقف الجولة وهذا يعني ان الخلافات موجودة واشارة الى ان هدف نتنياهو في وحدة الموقف الداخلي الاسرائيلي لم ينجح، وكلما طالت الحرب فان انعكاس ذلك سلبياً على نتنياهو بازدياد السخط الاسرائيلي عليه.
الكيان المؤقت:
يُحاول الكيان الاسرائيلي الحفاظ على ثبات الموقف وعدم التراجع في التفاوض وعدم قبول شروط الجهاد الاسلامي وهي وقف سياسة الاغتيالات وارجاع جثة الشهيد خضر عدنان ووقف مسيرة الاعلام، فالاحتلال اراد حسم التفويض في قضية الاغتيالات بعدم الحديث فيها وفي ذلك اشارة الى استمرار استخدام هذه السياسة وقتما يشاء دون توقف ، وكما ان الاحتلال غير معني باي حالة تفاوض فهو مُندفع باتجاه الحسم دون تراجع حتى يمرروا مسيرة الاعلام كما هو مُخطط له، لكن الشيء الوحيد الذي سيؤدي الى تراجع الاحتلال هو اشتداد انقسام الجمهور الاسرائيلي حول استمرار الجولة لوقت طويل.
ان الكيان الاسرائيلي اراد في معركته تحقيق اهداف وما زالت الاهداف الاخرى غير مُتحققة وهي محاولة المساومة بين جثة الشهيد خضر عدنان مقابل الجنود الاسرائيليين لدى المقاومة. واراد الاحتلال التسوية الشاملة بمعنى الحسم وانهاء حالة السلاح في القطاع، لكن الرد جعل الاحتلال في صدمة وانقلب ميزان المعادلة الذي اراد ان يحققه وهي فصل ساحة القطاع عن الضفة والقدس من خلال اطلاق الصواريخ عليهم.
التهدئة:
نتنياهو يريد وقف الجولة بشرط المحافظة على ظهوره منتصراً لكن الاستمرار في الرد من قبل الجهاد ومن معه من التنظيمات سينهي الجولة بحالة من الهدوء مقابل الهدوء من خلال الوسطاء الاقليميين والدوليين لكن دون الالتزام بتوقيع مكتوب على اتفاق تهدئة شاملة، حيث ان عملية التوقيع تعني الالتزام. والاحتلال لا يلتزم فهو البادئ في كل الجولات السابقة والحالية لتحقيق اهداف داخلية وخارجية. وفي النهاية فان سياسة الاحتلال حول العدوان على غزة ستفشل بسبب ان السهم قد انكسر.