الكوفية: لن أستعجل تقييم المشهد الذي رافق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى أن نقف على ردود أفعال وتقييمات مختلف أطياف المجتمع الإسرائيلي، وحتى لا يبدو التقييم على أنه إسقاط لوجهة نظر وموقف مسبق ولأنّ تقييم هذه الجولة، لا ينفصل عن السياق العام لتطوّر الصراع، وحالة أطرافه.
بعد أن نترّحم على أرواح الشهداء، ونتمنّى الشفاء العاجل للجرحى، والشهداء ليسوا فقط من سقطوا خلال جولة العدوان الأخير على غزة، وإنّما يمتد إلى شهداء المقاومة والشعب وجرحاه في الضفة الغربية التي لم تتوقّف عنها الاجتياحات والقتل والتدمير، بعد هذه اللازمة الموجبة نأتي من باب الواجب للحديث عن نقطتين:
الأولى، نتوجّه من خلال هذه المقالة بالتحيّة والاعتزاز بالدور، الكبير والمهمّ جدّاً الذي لعبته وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الفلسطينية والعربية، التي واكبت الأحداث دقيقةً بدقيقة.
ثمة جيش من الصحافيين، والمُراسلين والإعلاميين، والمُحلّلين السياسيين الذين قاتلوا جهاراً بأسلحتهم، وكانوا جُنوداً معلومين يخوضون غمار المواجهة وسط النار، والقصف الشديد. لهؤلاء نرفع القُبّعة.
وحتى لا نبقى في حالة التعميم، فثمة ما يستدعي الإشادة، بدور فضائيات بعينها، تجنّدت بكلّ طواقمها الفنّية ومُراسليها من دون توقُّف خلال الأيام الخمسة، ومن موقع نقل الحقيقة والانحياز للوطنية الفلسطينية ولكن من دون تزوير للحقائق.
نقصد هنا «فضائيّة الجزيرة»، و»الميادين، و»قناة الغد» التي كانت في طليعة جيش الإعلام.
ثمة فضائيّات أُخرى عربية خاضت المعركة، بقدر أقلّ نسبياً من هذه الفضائيّات، ولكن ثمة أُخرى ليس من المناسب أن نسمّيها، اقتصرت تغطياتها على مساحات محدودة من الوقت، فرضتها طبيعة الأحداث.
مُراسلو بعض الفضائيّات، وفنّيوها، ومُصوّروها، واصلوا الليل بالنهار، وتركوا عائلاتهم وأحبّاءهم، وبالكاد كانوا يسرقون ساعات قليلة للرّاحة.
أمّا النقطة الثانية، فتتعلّق بمحتوى التغطيات والتعليقات والتحليلات التي واكبت العدوان، وكان عليها أن تؤنسن أكثر الأحداث، وأن تعطي قدراً كافياً من الوقت للمآسي الإنسانية التي نجمت عن العدوان والقصف الوحشي.
ثلاثة وثلاثون شهيداً، قضوا في هذا العدوان، ونحو مئة وتسعين جريحاً بعضهم جروحه خطيرة، كان من بينهم فقط أحد عشر مقاوماً من «الجهاد الإسلامي» من بينهم ستّة من القادة العسكريين، وذلك بحسب مصادر الحركة.
ما تداولته وسائل الإعلام، يشير إلى أن ستّة أطفال وثلاث نساء، كانوا من بين الشهداء، ولكن ماذا عن البقية من الشهداء، فإذا لم يكونوا قادة أو كوادر عسكرية فإنّهم بالتأكيد مدنيّون، والأمر ينسحب على عشرات المدنيّين، الذين أُصيبوا بجروح مختلفة.
أجهزة الدعاية الإسرائيلية الكاذبة، نشرت «فيديو»، يشير إلى أن أحد الجنود، طلب من زميله، التوقُّف عن قصف هدفٍ ما بسبب وجود أطفال.
تعلم جوقة الكذب المكشوف لدى جيش الإعلام الرديف لآلة الدمار، أن من قام بقصف القادة الستّة، قد كان على علمٍ بوجود أطفال ونساء في البيوت التي تم استهدافها.
التجربة الطويلة من الاحتلال خلال الجولات العدوانية السابقة، تقول إن من يضغط على الزناد، لا يُقيم أيّ وزنٍ ولا يُبدي أيّ اهتمام لوجود مدنيّين في المكان المستهدف، حين يكون الشخص المستهدف موجوداً في المكان.
وإذا افترضنا أنّ الجيش الإسرائيلي، بادر إلى قصف البيوت أو الشقق التي تواجدت فيها قيادات أو كوادر لـ «سرايا القدس» فماذا عن عشرات المنازل والشقق والبيوت، التي جرى تدميرها كلياً أو جزئياً، ولماذا قام الجيش بقصفها؟
حين ينكشف الغبار، سنتبيّن، أنّ وراء كلّ شهيد وخلف كلّ بيت قصّة إنسانية عميقة، تواصل مأساة مديدة عَاناها ويُعانيها الفلسطينيون على يد احتلالٍ عنصري فاشي، لا يُبدي أيّ حساسية للإنسان، أو لقوانين وقيم المجتمع الدولي.
سجّل الإجرام الاحتلالي طافح، بكلّ أنواع وأشكال جرائم الحرب، ضدّ الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيّين، وبآلاف البيوت التي تُرك ساكنوها للعراء، بينما تخلّى المجتمع الدولي عن تقديم المساعدة في ترميم جراحهم، وحمايتهم من البرد والحرّ.
ليس فقط المجتمع الدولي الذي يُواصل أسياده في النظام العالمي السائد حتى الآن بل إن الأنظمة العربية المقتدرة، هي الأخرى رفعت يدها عن هذا الملف، باستثناء مصر التي تكلّفت بتغطية تكاليف إعادة الإعمار في جولة سابقة بمقدار نصف مليون دولار وربّما، أيضاً، علينا أن نذكر دور قطر في تقديم المساعدة.
المجتمع الدولي، والمقصود الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أظهروا كالعادة موقفاً مُنحازاً لإسرائيل، حيث تسبق كلمات القلق والدعوة للهدوء، بموقف يقول بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإنكار الحقّ ذاته على الفلسطينيين.
الناطقون باسم الإدارة الأميركية يُعربون مراراً عن أسفهم لسقوط ضحايا مدنيين، وكأنّ إسرائيل تكبّدت مثل هذه الخسائر في البشر ولأنها تخشى من سقوط خسائر بشرية في إسرائيل، بالإضافة إلى أسباب أُخرى أكثر وجاهة وأهمية، فإنها أي الإدارة الأميركية، لعبت دوراً في التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، طالما أن إسرائيل حقّقت كما تُعلن أهدافها من وراء العدوان.
سنرى خلال نهاية هذا الأسبوع إذا ما كانت الإدارة الأميركية ستتدخّل لوقف «مسيرة الأعلام»، التي تُحضّر لها حكومة بنيامين نتنياهو، وستنطوي على استفزازٍ كبير للفلسطينيين في القدس.
سنرى إذا ما كانت حريصة على الدمّ الفلسطيني، والضغط على إسرائيل لوقفها، وإلّا فإنّها قد تكون سبباً في اندلاع مُواجهات عنيفة.