لم يكن الاستقلال، ولن يكون، مجرد احتفال بمناسبة عزيزة، وهي كذلك، ولكن له ثمن دفعناه، وسنواصل دفعه، مثلنا مثل كل الشعوب العربية والصديقة ذات الإمكانات المحدودة، التي تعمل، بل وتصارع للحفاظ على استقلالها السياسي والاقتصادي، وعلى قرارها كما تفرضه وتمليه المصالح الوطنية العليا، لشعبنا، بما يستحق من الكرامة والاستقلالية والحفاظ على الذات، وعلى التراث، ووفق متغيرات العصر ومتطلباته نحو التطور والتغيير وحُسن الاختيار.
لسنا دولة ثرية، ولن تكون، ولكننا نبحث أن نكون دولة قادرة على تغطية احتياجاتها من لدن نفسها، وانتاجها، واعتماداً على أشقاء وأصدقاء، كما هم يعتمدون علينا وفق التوازن والتبادل والمصالح المشتركة، لا أن نكون عبئاً على أحد، أو لأي طرف.
التحدي الأساس: وضعنا الداخلي، ونحن نتميز به، عبر التعددية، الوطنية والقومية والدينية والفكرية، في إطار من الوحدة والتناغم، بعيداً عن التسلط، تسلط الأغلبية على الأقلية، أو الاستئثار من فئة أو مجموعة أو رؤية، وقد يكون ذلك أحد مصادر فخرنا، بل وقوتنا.
لا نخضع لطرف أو تحالف، ولهذا تمكنا من عبور العديد من المتاعب الداخلية، والصراعات البينية العربية بدون تورط في هذا الموقع أو ذاك، نحو هذا الخيار أو ذاك، ولهذا يمكن المباهاة في عهد الحسين أننا لم نتورط في أي فعل يمس العراق ورفض المشاركة في ذبحه، أو تسهيلاَ لاحتلاله، كما قال لنا الحسين في أحد اللقاءات، رحمه الله، ولم نتورط في عهد عبد الله بن الحسين، في أفعال الربيع العربي التي دمرت سوريا واليمن وليبيا، وأي بلد آخر، ورفضنا التورط، ودفعنا الثمن خلال سنوات المرحلة الماضية لأننا حافظنا على عدم التدخل.
تربطنا علاقات رسمية مع الولايات المتحدة ولكن الأردن وقف شامخاً قوياً وشكل رأس حربة سياسية في تأييد الموقف الفلسطيني، وفي رفض الموقف الأميركي الذي أعلنه الرئيس المهزوم ترامب يوم 6/12/2017، أن القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، وشكل الأردن رأس حربة سياسية في تأكيد الموقف الفلسطيني وفي رفض الموقف الأميركي الذي أعلنه الرئيس الأميركي المهزوم ترامب مع رئيس حكومة المستعمرة نتنياهو، في واشنطن يوم 28/1/2020 حول "صفقة القرن".
وعلى الرغم من معاهدة وادي عربة سجل الأردن رفضه في تجديد ملاحق المعاهدة حول أراضي الباقورة في الشمال والغُمر في الجنوب يوم 10/11/2019 ، تأكيداً على استقلالية قرارنا الوطني وحفاظاً على مصالحنا وخيرات أرضنا.
الأردن يواجه معركة متواصلة في مواجهة سياسات الاحتلال بشأن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وخاصة المسجد الأقصى ورفض تدنيسه واقتحام المستوطنين المستعمرين الأجانب لحرمته، ولكنيستي المهد والقيامة وما يتصل بهما، تأكيداً على الانحياز وأننا والفلسطينيين في خندق واحد.
معركة الاستقلال لها ثمن ندفعه وسنواصل حتى تستكمل خطواته، باتجاه فلسطين، وسائر أقطار الوطن العربي التي تربطنا معها خيار وواقع ومستقبل موحد مبشر نحو خطوات تدريجية تكميلية كما نتطلع كشعب وأمة وتاريخ وقومية.