انتهى أمس عزاء الراحل إبراهيم أبو سليم، عضو المجلس الوطني، والنائب الأول لرئيس اتحاد كرة القدم، وبدأت مرحلة البحث عن بديل يخلفه في منصبه المهم والحساس.
أتذكر أنه وفور الإعلان عن وفات الراحل أبو مراد، وحتى قبل تشييع جثمانه، سألني البعض عن بديله في اتحاد كرة القدم، وتكرر السؤال في الأيام الثلاثة لبيت العزاء، الذي حرصت على التواجد فيه تقديراً للراحل.
جوابي للجميع كان "لن أتحدث في هذا الموضع إلا بعد انقضاء بيت العزاء"، من باب المنطق والاحترام والتقدير للراحل أولاً ولعائلته ثانياً، وللمهنية والأصول ثالثاً، مع تأكيدي أنه وبرحيله إلى الرفيق الأعلى، ترك فراغاً كبيراً في اتحاد كرة القدم.
اليوم وقد انتهى العزاء، بات من المنطق أن تسير الحياة بشكل طبيعي، فهذه هي سنة الحياة، سواء بالموت أو الاستقالة أو انتهاء الولاية أو لأي سبب كان، وبالتالي فإن الحزن لن يفيد والشاغر يجب أن يُملأ ببديل.
ومما لا شك فيه أن الفترة التي قضاها الراحل إبراهيم أبو سليم على رأس اتحاد كرة القدم في غزة منذ شهر مايو 2008 وحتى مايو 2023، تخللها أمور وقضايا أعطت لتلك الفترة شكلًا ومعنى.
وبالرغم من أن أحداً على كوكب الأرض لم ولن يحظى بإجماع في مختلف المجالات، إلا أن هناك من يحظى بقناعة خليط من الأغلبية بين مؤيد ومعارض، وهو ما حظي به إبراهيم أبو سليم، حي كان أقرب إلى إجماع الشارع الرياضي على أنه الشخصية الرياضية الأكثر قبولاً في ظل صعوبة المرحلة، ولا سيما بعد الانقسام.
وبالعودة إلى عقود طويلة مضت، فإن الرياضة الفلسطينية، ولا سيما في غزة، لم يسبق وأن تعلقت في يد رجل واحد، فلها طبيعة خاصة جعلتها تتعلق بمنظومة ونظام ولوائح، على عكس ما يحدث الآن في رام الله، حيث زمن الرجل الواحد في كل المجالات، وهو الأسلوب الفاشل بشهادة نتائج هذا الأسلوب.
اليوم وقد فقدت كرة القدم في غزة رجلاً حكيماً نجح في قيادة السفينة إلى بر الأمان على الرغم من صعوبة الظروف والواقع الرياضي والسياسي، فإن البديل المطلوب يجب أن يكون شبيهاً من حيث الصفة كحكيم.
فالحِكمة هي عبارة عن تراكم التجارب، ونتاج لمواقف ورؤى يتعامل بها الحكيم مع الأحداث والمنعطفات الخطرة في الحياة، وهو ما لم يتوفر في كل إنسان، بدليل قول الله عز وجل ﴿يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ (سورة البقرة: 269).
ولأننا بحاجة إلى رجل حكيم في هذه المرحلة الصعبة، فلا بُد أن نقوم بتعريف الحِكمة من أجل أن يكون البديل ناجحاً وقادراً على خدمة كرة القدم، وهنا اقتبست بعضًا من تعريف الحكمة من عدة مراجع، أختزلها في الآتي:
فالحِكمة خليط بين المعرفة والخبرة والفهم العميق للتوازن من جهة والتسامح من جهة أخرى؛ من أجل قيادة السفينة إلى بر الأمان، إذ يحافظ الحكماء على هدوئهم في أوقات الأزمات، والرجوع خطوة للوراء والنظر إلى الصورة بشكل أشمل، وعمق التفكير والتأمل في قدرات الذات، والتفكير في البدائل، والاعتراف أن العالم يتغير على الدوام.
وينبغي علينا عدم الخلط بين الحكمة والذكاء، فرغم أن الذكاء مفيد، إذ يمكن أن يكون المرء ذكيًّا دون أن يكون حكيماً، كما أن الحكماء يمكنهم التعامل مع مواقف تتسم بعدم الوضوح، ومع ذلك يظلون متفائلين بأنه مهما كانت المشكلات أمامهم معقدة، هناك حلول، كما أن بإمكانهم التمييز بين الخطأ والصواب.
إن تعريف الحِكمة يستغرق وقتاً طويلاً وسلسلة من المحاضرات، وهذا ما لا يُمكن شرحه الآن، ولكن علينا طرح سؤال، هل يوجد حُكماء على الساحة الرياضية الفلسطينية عامة، وغزة على وجه الخصوص؟ هل نستطيع الإشارة إلى الحُكماء على الساحة الرياضية؟ وهل نستطيع التمييز بينهم؟ وهل نستطيع ترشيح أفضلهم لتولي المهمة؟ وهل سنكون على قدر من المسؤولية أن نختار من سيخدم رياضتنا وليس من يخدم أجندة شخصية؟
وللحديث بقية