وكأنه مكتوب على الشعب الفلسطيني العربي المسلم أن يدفع من أرضه ودماء شهدائه وعذابات أسراه وجرحاه والمشتتون في أصقاع الأرض ثمن انتمائه العروبي والإسلامي، ومع ذلك وبالرغم من فداحة الثمن الذي دفعه ما زال متمسكاً بعروبته ومعتزاً بإسلامه ومدافعاً عن مقدساته. وما يعزز صموده والتزامه بانتمائه العربي أن كل ما تعرض له تتحمل مسؤوليته أنظمة حكم ونخب فاسدة وليس الشعوب العربية التي ما زالت تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وتقف الى جانب الشعب الفلسطيني.
قبل أقل من شهر وتحديداً في 15 مايو أحيا الفلسطينيون ذكرى النكبة حيث أدت هزيمة الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية إلى تشريد غالبية الشعب وقيام دولة الكيان الصهيوني على مساحة 78% من أرض فلسطين، وهذه الأيام يستحضر الشعب الفلسطيني ذكرى النكسة أو هزيمة أخرى، حرب حزيران 1967، التي أضاعت بقية فلسطين بالإضافة الى أراضي عربية أخرى.
بالرغم من هاتين الهزيمتين استنهض الشعب الفلسطيني قواه وفجر ثورة تحرر وطني في منتصف ستينيات القرن الماضي على أمل أن تنجده الأنظمة العربية وتعوضه عما سببته له من مصائب في حروبها السابقة، إلا أن الأمور سارت على عكس ما كان مأمولاً واستمرت غالبية الأنظمة في تآمرها على القضية الوطنية الفلسطينية.
فبعد خمس سنوات من انطلاق الثورة الفلسطينية وقعت أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970 وتعرضت الثورة الفلسطينية لعملية تصفية على يد الجيش الأردني، ولم تحرك الأنظمة العربية ساكناً إلا بتدخلات للوساطة قام بها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قبل أيام من وفاته نجحت في إخراج القائد أبو عمار ومجموعة من القيادات من الأردن إلا أنها لم توقف المجزرة حتى تم تصفية الوجود الفلسطيني المسلح في الأردن وما تبقى من مسلحين انتقلوا لسوريا ولبنان.
وخلال تفجر الحرب الأهلية في لبنان مجدداً عام 1974 حيت وقفت الثورة الفلسطينية الى جانب القوى الوطنية اللبنانية في مواجهة قوى مسيحية متحالفة مع إسرائيل لم تقف الدول العربية موقف المتفرج فقط بل أرسلت سوريا قواتها لدعم القوى المسيحية ودخلت قواتها في مواجهات شرسة مع القوى الوطنية اللبنانية وقوات الثورة الفلسطينية، بالرغم من المجازر التي تم ارتكابها في مخيم تل الزعتر والقتل على الهوية الخ.
وفي عام 1982 قام الجيش الإسرائيلي بهجوم واسع على جنوب لبنان ثم امتد للعاصمة بيروت حيث قام باحتلالها وهو أول احتلال لعاصمة عربية تم خلالها تدمير كثير من البنى التحتية وقتل وجرح آلاف المواطنين من فلسطينيين ولبنانيين، ودافعت قوات الثورة الفلسطينية متحالفة مع القوى الوطنية لمدة 88 يوماً، وكانت قوات سورية مرابطة في لبنان ولكنها لم تحرك ساكناً، ولم تتحرك الحكومات العربية إلا كوساطة فاشلة إلى أن تدخلت الإدارة الأمريكية وأرسلت مبعوثاً عنها وهو فيليب حبيب و توصل لتفاهمات لخروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، حتى مجازر صبرا وشاتيلا لم تحرك لا الأنظمة ولا الشعوب العربية، والمظاهرة الوحيدة التي خرجت كانت في تل أبيب من إسرائيليين معارضين لشارون و حربه على لبنان.
وخلال حرب الخليج الثانية 1991 تم اتهام الرئيس ياسر عرفات والفلسطينيين عموماً بمساندة صدام حسين وتأييدهم احتلاله للعراق، وهي اتهامات غير صحيحة وكان الهدف منها استكمال مخطط التآمر على الثورة الفلسطينية وحصارها مالياً وسياسيا لتطويعها لمخططات التسوية السياسية التي انطلقت بالفعل في مدريد في أكتوبر من نفس العام، كما استغلت واشنطن وتل أبيب حصار منظمة التحرير وتواطؤ الأنظمة العربية لتمرير قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يلغي قرار سابق صدر عام 1975 يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
وحتى بعد التزام منظمة التحرير بعملية التسوية السياسية و بالمبادرة العربية للسلام وتهرب إسرائيل منهما واستمرار العدوان الصهيوني ومشاريع الاستيطان واقتحام الأقصى الخ واصلت الأنظمة العربية صمتها بل وطبع بعضها مع إسرائيل قي موجة جديدة من التطبيع، ومن لم تطبع رسمياً تطبع بطرق أخرى لا تقل خطورة عن التطبيع الرسمي.
لا نبرئ الطبقة السياسية الفلسطينية من المسؤولية عما آلت اليه القضية، ولكن لو لم تتدخل الجيوش العربية عسكرياً وتنهزم أمام دولة الكيان ولو لم تتدخل الأنظمة العربية بالشأن الفلسطيني جاهدة لتجنيد وتوظيف فصائل وأحزاب لخدمة مشاريعها وأجندتها، ولو على أقل تقدير التزمت بتعهداتها وقراراتها في القمم العربية والإسلامية وبالمبادرة العربية للسلام، ما وصل حال القضية الفلسطينية وحال القدس الى هذا الوضع الخطير.
والسؤال ماذا بعد، وما الذي تخطط له الأنظمة العربية للشعب الفلسطيني بعد أن أفشل التطبيع مبادرتهم للسلام؟