- مراسلنا: إصابات في استهداف منزل لعائلة الدحدوح بحي الزيتون شرقي مدينة غزة
- مراسلتنا: صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة ومحيطها بعد تسلل مسيرة
جاءت نتائج العملية العدوانية الإسرائيلية في مخيم جنين كصدمة كبيرة لقوات الاحتلال المهاجمة وللمستويات الأمنية والسياسية الإسرائيلية. فلم تتوقع الجهات الأمنية أن يكون مستوى تطور صنع المتفجرات في جنين قد وصل إلى مستوى تفجير وإعطاب الآليات العسكرية المدرعة جيداً، وأيضاً قدرة المقاومين على نصب كمين محكم للقوات التي من المفروض أن تكون مستعدة ومتهيئة للمواجهات في المخيم والمدينة. أما إصابة سبعة جنود فكانت ضربة كبيرة للاحتلال ليس فقط من حيث الفشل الاستخباري بمعرفة إمكانية وجود عبوات ناسفة بهذا الحجم، وإنما أيضاً لأن إسرائيل لم تتعود على مثل هذا العدد من الإصابات في الاجتياحات التي نفذتها في السنوات الأخيرة.
المعركة الأخيرة في جنين أثبتت أن مجموعات المقاومة الفلسطينية التي غلب عليها طابع الارتجال والعمل العفوي باتت أكثر تنظيماً من حيث الوعي والقدرات القتالية والتنظيم والتدريب والمناورة والصمود في مواجهات لساعات طويلة. وهذا بحد ذاته يشعل الضوء الأحمر لدى السلطات الإسرائيلية، ويجعلها تفكر ألف مرة قبل الإقدام على مغامرات متكررة لاعتقال أو اغتيال مقاومين في جنين أو مخيمها على وجه الخصوص وهذا ينطبق على نابلس كذلك. وهذه المعركة باتت تشكل علامة فارقة في المواجهات الفلسطينية- الإسرائيلية. وسيترتب عليها تبعات ونتائج قد تكون أكثر خطورة وقسوة وهذا مرتبط أساساً برد الفعل الإسرائيلي.
اليوم هناك محاولات لتقييم الفشل الإسرائيلي في جنين لجهة استخلاص العبر والدروس. وهذه تترافق مع دعوات متطرفة للغاية تصدر عن وزراء في الحكومة الإسرائيلية أمثال بتسليئيل سموتريتش الذين يدفعون باتجاه عملية اجتياح شامل لشمال الضفة على غرار عملية "السور الواقي" في عام 2002. ولكن المستوى الأمني ليس متحمساً لمثل هذا الخيار، وهناك معارضة في جيش الاحتلال لاجتياح واسع. فلم تعد الاجتياحات نزهة وجيش الاحتلال ليس بهذا المستوى من الجاهزية ولا حتى من الناحية المعنوية لخوض غمار معارك طويلة يمكن أن تفضي لخسائر كبيرة في صفوف القوات الإسرائيلية. هذا عدا عما يمكنه أن يتسبب في خسائر بشرية فلسطينية كبيرة جداً تضع إسرائيل في مأزق كبير على المستوى الدولي، خاصة وأن حكومة بنيامين نتنياهو لا تحظى بقبول واحترام دوليين حتى من قبل أصدقاء إسرائيل وحلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ما سيضع إسرائيل في مواجهة قرارات وربما إجراءات دولية غير مسبوقة. ومع ذلك فهذا خيار ممكن وقد تلجأ له إسرائيل إذا تكرر الفشل العملياتي والاستخباراتي في مواجهة المقاومة الفلسطينية المسلحة.
الاجتياح الأخير الفاشل لمخيم جنين يرفع الروح المعنوية للمقاتلين الفلسطينيين على الرغم من الثمن الكبير الذي دفعه المخيم (7 شهداء وحوالي 100 إصابة)، وهو سيزيد من دافعية المشاركة في أعمال المقاومة وأيضاً في عملية بناء القدرات وتطوير وامتلاك بنية تحتية عسكرية قوية. وهذا يعيدنا في الواقع إلى سنوات الانتفاضة الثانية وتحديداً إلى تفجير دبابة الميركفاه الإسرائيلية في قطاع غزة في شباط 2002. ويبدو أن ما يحدث في جنين الآن هو ربما يقود لانتفاضة ثالثة، خاصة إذا عمدت إسرائيل إلى التصعيد واستجابت لدعوات المتطرفين وأوغلت في عمليات التصفية والقتل في صفوف الشبان الفلسطينيين. وقد تكون المرحلة المقبلة استنساخاً لتجربة المقاومة في غزة بكل تفاصيلها مع الفارق في الجغرافيا والإمكانات المتاحة.
في الواقع، نحن نمر بمرحلة صعبة ومعقدة لم تعد فيها إسرائيل تقيم وزناً لأي شيء في العلاقة مع الفلسطينيين، لا لاتفاقية أو تفاهم ولا قانون دولي ولا حقوق إنسان ولا أية خطوط حمراء وضعها المجتمع الدولي. وهي ماضية في مشروعها الاستيطاني وضمها للمناطق الفلسطينية ليس فقط كأمر واقع بل ومن خلال شرعنة عملية الضم، التي تترافق مع سياسة تصعيدية دموية يشارك فيها جيش الاحتلال والمستوطنون، وبالتالي لم يعد بالإمكان الحديث عن أي شكل من العلاقة الطبيعية أو التنسيق مع سلطات الاحتلال. وبات مطلوباً الذهاب نحو خطوات سياسية قوية وملموسة على أقل تقدير تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي بخصوص إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل.
ونحن في هذا السياق بحاجة لأن نكون رأس الحربة في معاقبة إسرائيل سياسياً على الأقل بخطوات يمكن أن تقود إلى ردود فعل دولية مساندة قد تتحول إلى كرة ثلج كبيرة. ومن الأمثلة الممكنة وقف العلاقة الأمنية وتجميد الاعتراف بإسرائيل حتى تقوم في إسرائيل حكومة تقر بحل الدولتين وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على كامل الأراضي المحتلة منذ عام 1967.
مثل هذه الخطوات ستحدث زلزالاً دولياً وستضع القيادة الفلسطينية في وضع قوي وفي مركز الاهتمام الدولي وستعيد للقضية الفلسطينية اعتبارها إقليمياً ودولياً.
وهناك خطوة أخرى مطلوبة بإلحاح وهي السعي فوراً لإقامة حكومة وحدة وطنية والذهاب لانتخابات عامة، من شأنها أن تنتج مؤسسات قيادية موحدة قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني ضمن برنامج موحد يمكنه مواجهة سياسة إسرائيل على الأرض وفي مختلف الساحات، بما يحمي الشعب الفلسطيني ويوحد خياراته ويؤكد أهليته في قيادة نفسه وفي تقرير مصيره في دولة مستقلة طبيعية.