- مراسلنا: إصابات في استهداف منزل لعائلة الدحدوح بحي الزيتون شرقي مدينة غزة
- مراسلتنا: صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة ومحيطها بعد تسلل مسيرة
في بلدنا، الواقع جزء منه تحت الحصار، والجزء الآخر تحت الاحتلال، توجد عدة سلطات، بعضها يتدثر برداء شرعية متقادمة، وبعضها الآخر يتقمص شرعية الأمر الواقع، وهذا الحال أنتج وضعاً يمكن وصفه بالغريب، وحتى غير المنطقي، بالقياس لأحوال الكيانات الأخرى، "المريضة والمعافاة".
وفوق سلطتَيّ بلادنا.. سلطةُ احتلال، تمتلك قوة متفوقة في شتى المجالات، العسكرية والاقتصادية والتحالفية، ما أنتج خليطا من قوى مدججة بالسلاح، وهذا الخليط الذي يحتوي على أكبر كم من النار تنتشر على أضيق أرض صراع، وفر لمجموعات مستوطنين ،إمكانية حرق بلدة بكاملها وبالمقابل وجد مقاومين قادرين على فتح جبهة تحرج أهم جيش في الشرق الأوسط "جنين مثلا"، وبوسع حامل بندقية أن يخترق جدر الأمن الحديدية، ويقتل ويصيب في قلب المدن الإسرائيلية، وبوسع جندي احتلالي وبإشارة من يده أن يؤلف طابور سيارات بطول كيلومترات ، أمام ووراء حاجزه الذي لا لزوم له، وغالبا للتسلية والتنغيص على حياة الناس.
وبوسع وزير أو حتى رئيس مستوطنة أن يستولي على مساحات شاسعة من أرض الفلسطينيين، وبوسع قائد سلاح الطيران، إرسال أربعين مسيرة إلى غزة للاغتيال، وتوجيه طائرات "إف 16" للقصف التدميري، ومروحية أباتشي الفتاكة لتحلق وتقصف جنين، وتحت جنح هذه الحالة، تزدهر ورشات صناعة الرشاشات المحلية، والصواريخ قصيرة وطويلة المدى، وبوسعها كذلك التحايل على القبب الحديدية!! وبعد كل موقعة صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، يدور في إسرائيل نقاش صاخب عنوانه وموضوعه، كيف تتم معالجة هذا الوضع المتكرر منذ عشرات السنين، والنقاش دائما لا جديد فيه.. فمن يحبون الظهور بمظهر العقلانيين يدعون إلى القيام بعمليات يصفونها بالنوعية كالاغتيال، والمداهمات لمجرد الشبهات. أما من يحبون إظهار أنفسهم كأصحاب همم فولاذية، فيطالبون بإعادة احتلال الضفة، و فوقها غزة، وعينهم على أصوات ناخبيهم، فإسرائيل "كل حياتها مواسم انتخابية" ، وإذا ما احتاج الوضع المعنوي المتردي على الصعيد الشعبي لمعالجة ، تجد من يظهر على وسائل الإعلام مهددا بسحق أعداء إسرائيل دفعة واحدة وعلى كل الجبهات، وكأننا في عشية الخامس من حزيران 1967، وفوق ذلك كله يعلن قائد عسكري رفيع الرتبة، بأن لديه القوة الكافية لإعادة لبنان مثلا الى العصر الحجري، ويهدد ما بعد بعد لبنان ليعبر سوريا ثم إيران، إلى آخر السلسلة.
ولأن الحالة في أضيق مكان على وجه الأرض، تزدحم بأكثر كمية سلاح من كل نوع، فإن ما يقال ليس مجرد كلام. أو أنه صفير في الظلام.. إنه أخطر من ذلك بكثير، ذلك أن الأفعال والأقوال الصادرة عن الدولة "النووية" إسرائيل، تخلق حالة يصعب أو يستحيل السيطرة عليها، حتى لو تضاعفت قوة "جيش الدفاع"، وازدادت الحاجة لتجربة أحدث ما تنتجه المصانع الحربية في إسرائيل وأمريكا. قانون الطبيعة يقول، لكل فعل رد فعل، وفي حالتنا قد لا يكون رد الفعل الفلسطيني مساويا للفعل الإسرائيلي إلا أن النتيجة واحدة، وهي استحالة أن تفرض القوة المتفوقة سيطرتها على القوة الأقل، وهذا ليس كلاما رغائبيا أو تعبويا لرفع المعنويات.
بل هو الحقيقة بعينها، والواقع بجملته وتفصيله يؤكد ذلك.
إسرائيل مالكة المفاعل النووي وقنابله و "الإف 35"، وسلالاتها المتعددة، والموازنة المالية التي هي الأعلى على مستوى الكون كله، والصناعة والتجارة والهاي تك.. كل ذلك لم يبعد عنها الشعور المتعمق "باللاأمان"، والشعور المتنامي بلا جدوى ما تقول وتفعل.
ذريعتها في تغطية حروبها على الفلسطينيين، أن السلطة فاقدة السيطرة.. وهذا صحيح بكل المقاييس، إلا أن الصحيح أكثر أن إسرائيل كذلك.