يتبادل الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية والشرطية الأدوار مع ميليشيات المستوطنين، التي تلقّت توجيهات متكرّرة، بضرورة امتلاك السلاح الناري، في سياسة تكاملية تديرها حكومة عنصرية فاشية، تستعجل لتحقيق أهداف فرض السيادة على الضفة والقدس. جيش الاحتلال، لا يتوقّف عن اقتحام المدن الفلسطينية، والقرى والبلدات في محاولات يائسة للقضاء على بؤر المقاومة المتصاعدة، وحين يتوقّف الجيش عن هذه الممارسات، يتقدم المستوطنون لوضع الفلسطينيين تحت ضغط إرهابي لا يتوقّف. يتنقّل إرهاب المستوطنين بحراسة ومشاركة من الجيش، بين القرى والبلدات والمدن الفلسطينية من حوّارة إلى ترمسعيا، إلى سعير وعوريف وأم صفا، يُعبِّرون عمّا يتميّزون به من حقدٍ وكراهية، وإرهاب، يحرقون البيوت، والسيارات، والشجر، من دون كابح، وأمام العالم. دول العالم بما في ذلك حلفاء إسرائيل، ينددون بإرهاب المستوطنين. الإدانات الدولية لإرهاب المستوطنين، من غير الممكن أن تتحوّل إلى إجراءات عقابية، لكنها ترسم صورة لإسرائيل كلّها أمام الرأي العام العالمي، ما يضع المدين والمدان في حالة حرجٍ حيث تتأكّد سياسة الكيل بمكيالين. يشكّل هذا المُناخ فرصة للدبلوماسية الفلسطينية، للعمل على استصدار قرارات من مؤسّسات الأمم المتحدة، لإدانة وملاحقة هذا الإرهاب، ويعطي بالتأكيد لحركة المقاطعة ذخيرة إضافية لمطالبة الدول والمجتمعات المتردّدة، بتوسيع دائرة المقاطعة لبضائع المستوطنات والاستثمارات فيها. الحكومة الإسرائيلية التي تحاول الفصل بين إرهاب أجهزتها العسكرية والأمنية، وتحميل المستوطنين المسؤولية، لن تنجح في تحسين صورة الاحتلال، لأنها تمتنع عن محاسبة من تعتبرهم متورّطين في ممارسة الإرهاب. وزارة الجيش، و"الشاباك" والشرطة، أصدرت بياناً يندّد بإرهاب المستوطنين، وتعتبره إرهاباً قومياً يُلحِق الضرر بالدولة، لكن السلوك على الأرض، يشير إلى أن هذه الأجهزة متورّطة في دعم وحماية إرهاب المستوطنين. هذا البيان يُشكّل اعترافاً رسمياً صريحاً، وغير مسبوق لأنه لا يتحدّث عن أشخاص، وإنّما عن مستوطنين بالجُملة، بما يُعزّز الخطاب الحقوقي الدولي، الذي يرى الاستيطان غير شرعي، وغير قانوني بموجب قرارات الأمم المتحدة. بالطبع لن تسمح إسرائيل للمجتمع الدولي بأن ينتقل من البُعد اللفظي إلى البُعد الإجرائي، حيث سيبادر القضاء الإسرائيلي إلى إجراء محاكمات شكلية، تماماً كما جرت العادة إزاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، لاستباق ومنع وقوع محاسبة دولية. وفيما تتوسّع دائرة من يصفون إسرائيل بدولة فصل عنصري على مستوى المجتمعات الأوروبية وحتى الأميركية، ودول أخرى في العالم، فإنّ المُناخ الذي تولّد في المشهد، سيُساعد في حسم مواقف كثيرة من المؤسّسات وربما الدول التي ترى أن وصف الإرهاب والعنصرية لا ينحصر في المستوطنين، وأنّ ما يرتكبه المستوطنون هو ترجمة لسياسة حكومية هي المسؤولة عن الاستيطان، وعن تحريض المستوطنين وتسليحهم. حين نضع الحقائق على الطاولة، فإنّ المستوطنين لا يشكّلون مجرّد مجموعة مشاغبين، أو فئة معزولة، ذلك أنهم يتصرفون وفق قوانين، أصدرها الكنيست وسياسات مارستها وتُمارسها الحكومة بكل أدواتها وأذرعها الإجرامية. الاستيطان من حيث المبدأ، يُشكّل جريمة وإرهاباً تُديره الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والإجراءات الأُحادية جريمة أُخرى وقتل الأطفال، والمدنيين جريمة أُخرى، ومُسلسل الجرائم التي تمارسها الحكومة لا ينتهي. كيف يمكن لدولة تدّعي أنّها بريئة من الإرهاب، وهي تستخدم الطائرات المروحية، والمُسيّرة، لاغتيال مدنيين؟ كيف يُمكن لدولة تدّعي براءتها من الإرهاب والعنصرية، وهي تقوم بقصف المراكز الصحيّة، وطواقم "الهلال الأحمر"، والمدارس، والمساجد، وتقتل المدنيين بالجُملة والمُفرّق؟ حين تتّخذ الحكومة الإسرائيلية قرارات لمُعاقبة الفلسطينيين بعد عمليتي "جنين" و"عيلي"، بإقامة ألف وحدة سكنيّة في مستوطنة "عيلي"، فإنّ هذا السلوك يؤكّد الشراكة الكاملة بين الدولة ومن تصفهم بـ "الإرهاب القومي". الحكومة الإسرائيلية أعطت صلاحيات واسعة وميدانية للوزير بتسلئيل سموتريتش للإشراف على توسيع وتسريع الاستيطان، كما أنها أعطت إيتمار بن غفير، صلاحيات واسعة، في القمع، والتنكيل بالفلسطينيين، لذلك لم يكن غريباً، أو بعيداً عن سياسة وموافقة الحكومة، بأن يبادر المستوطنون لإقامة سبع بُؤر استيطانية جديدة. إذا كان من غير المُمكن الفصل بين إرهاب الدولة العنصرية وإرهاب المستوطنين، فإنّه من غير الممكن الفصل بين سلوك سموتريتش وبن غفير عن سياسة وسلوك الحكومة التي يُديرها بنيامين نتنياهو. الحكومة كلها متضامنة، ومن غير المنطقي إعفاء نتنياهو من المسؤولية بدواعي عدم القدرة على احتواء مُمارسة وزرائه المُتطرّفين، حتى يُحافظ على تماسك واستمرار حكومته. المشهد العام يُشير إلى أن دولة الاحتلال مُرتبكة، وفاقدة للخيارات، في مواجهة وحدة الشعب الفلسطيني، وتصاعد المُقاومة، التي يقودها شباب من جيل ما بعد الانتفاضة الثانية. الإرهاب مُستمر ومُتصاعد، والمُقاومة مُتصاعدة، أيضاً، وفي الحساب أن ما يقوم به المستوطنون، من شأنه أن يؤدّي إلى انضمام العشرات بل المئات من الشباب إلى صفوف المقاومة وهم الذين تعرّضوا لإرهاب الاحتلال بمستوطنيه وجيشه.