- مراسلنا: 3 شهداء وإصابات نتيجة استهداف الطيران المسير لمجموعة من المواطنين في حي الزيتون جنوب مدينة غزة
كان لافتاً فعلاً الزيارة التفقدية التي قام بها ممثلو الاتحاد الأوروبي سفين كون لمخيم جنين، فحجم الوفد، 30 دولة، كبير وذو مغزى واضح، فيما التصريحات الداعية لوقف الاستيطان وانهاء الاحتلال، ومع انها تتكرر مراراً كمتلازمة خطابية كلاسيكية، إلا انها كانت جيدة على سبيل التأكيد.
لكن الوقوف عند ذلك، وهذا ما فعلته معظم المواقع الإعلامية والفضائيات التي نقلت الحدث، غير كافٍ بل ومضلل، لأنه يخفي ما هو جوهري في تصريح الناطق باسم الاتحاد الأوروبي ووفده، لذلك، وبالوقوف على ما هو جوهري يكون حجم الوفد والتصريحات المتضامنة على سبيل البربوغاندا لا أكثر وإن تجاوزت ذلك ففي سبيل لعب دور في الانقسام السياسي الحالي داخل المجتمع الإسرائيلي.
في تصريحه قال سفين كون ممثل الاتحاد (على المجتمع الدولي أن يضغط لتطبيق القانون الدولي) خاصة أن اجتياح المخيم (صادم ومروع) كما قال، وطالب بزيادة (الضغط على إسرائيل) داعياً الحكومة الإسرائيلية (لتمكين السلطة الفلسطينية من القيام بمسؤولياتها وفق اتفاقية أوسلو).
عندما يطالب بزيادة الضغط على إسرائيل، وهو ممثل 30 دولة أوروبية، يمكن القول له ببساطة: تفضل مَنْ يمنعك من ذلك؟ أنت تدعو (المجتمع الدولي) لمارسة الضغط، وانتم 30 دولة تشكلون عصباً رئيساً مما يعرف بالمجتمع الدولي، وبالتالي تفضلوا مارسوا الضغط كمجتمع دولي.
إن جل ما أقدمت عليه أوروبا تاريخياً في موقفها من الاستعمار الصهيوني هو مقاطعة بضائع المستوطنات، وما يعنوه بالمستوطنات هنا هو مستوطنات الضفة الغربية تحديداً باعتبار كل الاستيطان اليهودي في منطقة 48 شرعي وقانوني! ولكن لا بأس. ولكن ماذا غير ذلك؟ فعلياً لا شيء يستحق الذكر، بينما ما يستحق الوقوف عنده هو الموقف السياسي العنصري بامتياز لرئيسة المفوضة الأوروبية، الممثلة الأبرز للعقلية الأوروبية الاستعمارية، في ذكرى (استقلال) دولة الاستعمار في حديثها عن معجزة اليهود التي صنعوها في أرض صحراوية قاحلة، وهذا ما يعكس حقيقة رؤية الرجل الأبيض الأوروبي للصراع في المنطقة. وما يمكن تذكره ايضاً منع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) من العمل، او التضييق عليها، داخل العديد من دول أوروبا، ومختلف الأنشطة التضامنية مع شعبنا باعتبارها ( معادية للسامية). إن الحد الأدنى الذي يمكن أن تمارسه أوربا ضد الاحتلال هو الوقوف مع الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية باتخاذ موقف مستقل عن السيد الأمريكي، وكذلك وقف التعاون العسكري مع الاحتلال، أما إذا أرادو صدق الموقف بعيداً عن النفاق والمواربة فهو قطع العلاقات مع دولة الاحتلال بالضبط كما فعلت إبان الحكم العنصري في جنوب إفريقيا.
لا يمكن فهم مطالبة الأخرين بالضغط فيما الاتحاد الأوروبي هو المؤهل، إضافة لأمريكا، لممارسة الضغط، ولكننا ندرك استحالة ذلك لقناعتنا بالعلاقة الأيديولوجية الوثيقة تاريخياً بين الرؤيتين، البيضاء الأوروبية والبيضاء الصهيونية، وبالتالي فالمشروع الصهيوني في فلسطين هو بالضبط حسب، رئيسة المفوضية (معجزة في أرض قاحلة) كما وصف سابقا ولا زال في العديد من الكتابات، الاستعمار الأبيض لإفريقيا والأمريكيتين. وربما ان المطالبة بممارسة الضغط هو في سبيل حشد موقف سياسي أوروبي ضد بعض وزراء حكومة نتياهو، وتحديداً بن غفير وسموتريتش، باعتبار مواقفهما الفجة وتصريحاتهما (غير الدبلوماسية) وفاشيتهما العلنية تضع (حلفاء إسرائيل) كالأوروبيين والأمريكان في موقف (محرج).
أما القضية الجوهرية الثانية التي برزت في التصريح فهي مطالبة إسرائيل (بتمكين السلطة الفلسطينية من القيام بمسؤولياتها وفق اتفاقية أوسلو). عن اية مسؤوليات يتحدث الممثل؟ عن قمع المقاومة في المخيم وغيره من المواقع. لا يمكن (تفسير) المطالبة بغير ذلك وإلا جرى التلاعب بالحقائق، فحسب اتفاقية أوسلو فعلى السلطة وأجهزتها منع اية مقاومة مسلحة، وبالتالي كأن الاتحاد الأوروبي (يعاتب) الحكومة الإسرائيلية بانكم لا تمكنون السلطة من القيام بدورها هذا ومسؤوليتها تلك عبر قيامكم بالعديد من الممارسات (مصادرة الأموال، اقتحامات المدن والاغتيالات شبه اليومية، الاستيطان المتسارع)، وأهمها باجتياحكم للمخيم، ذلك الاجتياح، وهذا ما يعرفه الاتحاد الأوروبي، الذي يعمق من الشرخ القائم بين السلطة الفلسطينية وعموم الشعب كما بدا واضحاً كتداعيات لاقتحام المخيم وصموده، وبالتالي مكنوا السلطة ان تقمع المقاومة، ووفروا لها الظروف لتقوم بذلك. هذا ما يقوله الاتحاد الأوروبي وليس غير ذلك.
وعليه ينبغي ان لا يغتر أياً منا بالحديث عن دعم البنية التحتية المدمرة والتنديد بالاحتلال والاستيطان، بل ينبغي مطالبة الاتحاد الأوروبي بأن يكون عند مستوى تصريح ممثله (ممارسة الضغط)، وهذا لا يكون إلا عبر قطع العلاقات السياسية مع المستعمِر ولا أقل، فليس من فارق بين نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وبين الاستعمار الصهيوني في فلسطين بل الثاني أكثر بربرية ووحشية. غير ذلك محض بربوغاندا لا تغني ولا تسمن من جوع.