ثلاث دول تعاونت ونسّقت فيما بينها لإتمام زيارة عبّاس لجنين ومخيّمها.
مصر التي ساعدت على تنفيس الاحتقان الفلسطيني الداخلي، باستضافة الحوار الذي اقترحه الرئيس عباس، وموضوعه ما حدث في جنين ومعالجته.
والأردن الذي وفّر المروحيّة العسكرية لنقل عباس من رام الله إلى جنين.
وإسرائيل التي نسّقت حركة المروحيّة وامتنعت عن الاستفزاز في المكان المقصود إلى حين إتمام الزيارة.
"فتح" والفصائل الحليفة والسلطة أقاموا استقبالاً شعبياً معقولاً جعل واقعة "الجنازة" وراء الظهر، والفصائل المعارضة احترمت المناسبة ولم تقُم بأيّ حركة تعكّر صفو الزيارة، على الأقلّ لأنّها تحزم حقائبها للذهاب إلى القاهرة تحت عنوان "وئام ما بعد جنين".
غير أنّ الزيارة والخطاب الحماسيّ الذي ألقاه عباس في المخيّم، والانتشار الكثيف للقوّات والأجهزة التابعة للسلطة، لن تغيّر من جوهر المسألة ما دامت إسرائيل لن تتوقّف عن المداهمات كلّما أوجدت ذريعة لذلك، وما دامت السلطة لن تُصدر أوامرها لقوّاتها بالاشتباك المسلّح مع الإسرائيليين، وما دامت أيضاً لن تُصدر أوامرها بإعاقة عمل المقاومين الذين يمتلكون صدقية الدفاع عن المخيّم المعتدى عليه، ولذا ستعود الأمور إلى سابق عهدها من اجتياحات إسرائيلية محدودة أو واسعة ومقاومة فلسطينية مسلّحة قدر الإمكان وقوات سلطة تختفي عن المشهد.
لا ضمانات للسلطة
حين يحدث ذلك، إذ لا ضمانات لأن لا يحدث، تشتعل الساحة الفلسطينية الإسرائيلية بسجالاتها المعتادة ويستأنف الوسطاء جهود التهدئة، ولا يُستبعد أن يدعو الأميركيون إلى لقاء ثالث مثل العقبة وشرم الشيخ، وتقع السلطة الفلسطينية من جديد بين شقّيْ الرحى، فالإسرائيليون والأميركيون يريدونها حاسمة في بسط سلطتها على جنين ومخيّمها، وهذا ما لا طاقة لها به، والفصائل الفلسطينية تريدها إلى جانبها في الدفاع عن الشعب وصدّ العدوان.. وهذا أيضاً ما لا طاقة لها به.
جنين تماثل غزّة
إذا تكرّر المشهد فلن تعود زيارة جديدة لجنين ومخيّمها فعّالة، هذا إذا كانت متاحة أصلاً، وقد تصبح إعادة الإعمار وراء الظهر، أمام دمار جديد.
مشهد جنين والمخيّم، في الجانب الأساسي منه، يماثل مشهد غزّة، ففي جنين قوّة أمر واقع تحيّد فاعلية السلطة الشرعية، وفي غزّة قوّة أمر واقع جعلت المقاومة المسلّحة للعدوان مقتصرة على فصيل واحد، وذلك ليس لمرّة "تكتيكية" بل لعدّة مرّات.
تتّحد جنين وغزّة في أمر أخير، وهو أنّ الطرف المتحكّم بالهدوء والانفجار هو الطرف الإسرائيلي، الذي لا يخوض حروبه على جنين وغزّة بدوافع أمنية اضطرارية وإنّما بدوافع داخلية تفرضها متطلّبات المزايدة المشتعلة بين الحكومة التي تتباهى بقدرتها على إلحاق أكبر قدر من الأذى بالفلسطينيين، والمعارضة التي تتّهم الحكومة بالتقصير في اقتلاع الخطر من جذوره.
من هنا برزت معادلة الحرب على غزّة وجنين. وهي في الأساس داخلية بامتياز، فكلا الطرفين لم يقصّرا في التنكيل بالفلسطينيين حين يُتاح لأيّ واحد منهما أن يكون صاحب القرار.
غزّة وجنين تتماثلان في كونهما حالة قتالية أكثر اشتعالاً من أماكن أخرى، إلا أنّهما يتّحدان في كونهما الأكثر تعبيراً عن الوضع الفلسطيني بإجماله، وهذا ما يُقلق ذوي الأجندات جميعاً.