إسرائيل التي تخضع منذ بداية هذا العام لسيطرة حكومة «يمينية» احتلالية عنصرية فاشية، هي الأكثر «يمينية» على حدّ تعبير الرئيس الأميركي جو بايدن عالقة في أزمةٍ لا يملك أحد لها مخرجاً، بينما تضيق خيارات الحكومة.
الأهمّ هو إنقاذ رأس بنيامين نتنياهو، وزُمرة المُجرمين من الشركاء جعل حكومته بأسرها محكومة، لسياسات ومُمارسات، لا تجد لها، في هذا العالم نصيراً.
لقد فقدت الولايات المتحدة الأميركية قدرتها على التبرير والتغطية على سياسات، تضعها أمام أزمةٍ أخلاقية فيما هي تجنّد كلّ إمكانياتها وإمكانيات حلفائها، للحفاظ على مكانتها على رأس النظام الدولي الذي يتهاوى، بسبب المُتغيّرات الدولية.
قضت التجربة والعادة، أن تذهب الحكومة إلى تصعيد قومي خارجي للتغطية أو لتخطّي أزمات داخلية أقلّ خُطورة من الأزمة التي تعاني منها الدولة برُمّتها.. حاول نتنياهو فذهب إلى غزّة، ثمّ إلى جنين، لكنه فشل في أن يُخفّف من الأزمة، وما كان له أن يذهب بالتصعيد إلى ما هو أبعد، بمعنى التصعيد في الشمال مع «حزب الله»، لأنّه وحكومته لم يعد يثق بأن ذلك سيؤدّي إلى معالجة الأزمة.
في كلّ مرّة يذهب فيها نتنياهو إلى التصعيد الجزئي، ولوقتٍ محدود، تعود الاحتجاجات لتحتلّ الشوارع.
في العُموم ومع كلّ جولةٍ عدوانية تشنّها الحكومة الإسرائيلية، تتأكّد مسألة تآكل قدرة إسرائيل على الردع، وتتراجع هيبة الجيش الذي يدعون أنّه لا يُقهر حيث يقف عاجزاً أمام بضعة مُقاومين في جنين ومخيّمها وقراها، ويتلقّى المزيد من ضربات المقاومة في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
لقد سخِرَ «حزب الله» من الجيش الذي لا يُقهر، حين أقام خيمةً، وعزّزها بمولّدات كهربائية، في مزارع شبعا، وكان عليه أن يتوقّف عن بناء السياج الفاصل بعد أن فشلت مُحاولات الحكومة في مُعالجة الحدث بالطرق الدبلوماسية ومن خلال الوسطاء.
أدرك نتنياهو وفريقه العنصري الفاشي أنّ إرهابه وجرائمه، وعدواناته، تُحسّن من شعبيته حسب استطلاعات الرأي، لكن هذه الشعبية ما تلبث أن تتراجع، حين تتراجع حدّة ممارساته الإرهابية.
لقد استطالت وتعمّقت الأزمة الداخلية، وتتّخذ أبعاداً خطيرة تهدّد باندلاع حرب أهلية كَثُر التحذير من الانزلاق في أوحالها، خصوصاً بعد أن تمّت الموافقة في الكنيست، بالقراءة الأولى على ما تسمّى «الإصلاحات القضائية».
خطوة أخرى تنوي حكومة نتنياهو التقدُّم بها لتزيد من الطين بلّة، إذ يجري التحضير لمشروع قانون أو قرار، لإخضاع سلطة وصلاحيات النيابة العامّة وقيادة الشرطة لوزير العدل ياريف ليفين.
الحديث أخذ يتصاعد عن تبلور الديكتاتورية، والخروج من عباءة القيم الديمقراطية، التي تتذرّع بها الدول الغربية، للتعامل مع إسرائيل باعتبارها جزءا من منظومة القيم الديمقراطية الدولية.
الأوضاع في إسرائيل الرسمية، تتّجه نحو صياغة سياسات، وبرامج وأهداف ذات بُعد مستقلّ عن سياسة ومصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين.
قالها إيتمار بن غفير، إنّ إسرائيل ليست نجمة في العلم الأميركي، وكرّرها بتسلئيل سموتريتش، الذي قال، إنّ إسرائيل ليست واحدة من الولايات الأميركية، في حين لم يعد بمقدور نتنياهو، تصحيح العلاقة مع الإدارة الأميركية التي أعلن رئيسها بايدن في بيت لحم أنه صهيوني.
تزداد الهوّة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لأسباب عديدة جعلت بايدن يرفض على غير العادة، دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، مستعيضاً عن ذلك بدعوة الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ، الذي ينتظر هو الآخر مقاطعة أربعة نوّاب حتى الآن خلال كلمته أمام الكونغرس.
أولى القضايا الخلافية، تتّصل باختلاف الأولويات، فالولايات المتحدة تضع على رأس أولوياتها الحرب في أوكرانيا، والتوتُّر مع الصين، وتتجاهل نسبياً الشرق الأوسط، فإنّ إسرائيل تضع الصراع مع إيران على رأس أولويّاتها.
حتى إزاء إيران وبرنامجها النووي، ثمّة خلاف، إذ ترى الولايات المتحدة أولوية الطرق الدبلوماسية والسياسية، لمنع إيران من التقدُّم نحو امتلاك سلاح نووي، فإنّ إسرائيل لا ترى سبيلاً لذلك سوى استخدام القوّة، وهي تدرك أن الولايات المتحدة لا ترغب في التورُّط بهذا الخيار.
على الأرجح أنّ الإدارة الأميركية باتت تُدرك البعد الانتهازي في السياسة الإسرائيلية الرسمية، التي ترفض الانضمام لنظام مقاطعة روسيا وتسعى لتطوير علاقاتها مع الصين.
ثاني هذه القضايا الخلافية يتّصل بمشروع الائتلاف الحكومي المتمثّل في «الانقلاب القضائي» بما أنّه سيؤدي إلى انقلاب على الديمقراطية وإخراج إسرائيل من هذه المنظومة ما سيُحرج الإدارة الأميركية أمام مواطنيها دافعي الضرائب، الذين يصمتون على الدعم المالي والعسكري الكبير لإسرائيل بدعوى الدفاع عن قيم الديمقراطية.
حكومة نتنياهو تتّهم الإدارة الأميركية، بالتدخّل في الشؤون الداخلية للدولة، على خلفية هذا الخلاف، ولا تريد أن ترى أنّ خلفية الموقف الأميركي تكمن في الدفاع عن إسرائيل، وإطالة عمرها.
الخلاف الثالث وهو الأقل حدّة، يتعلّق بسياسة الاستيطان والإجراءات أحادية الجانب، والموقف الإسرائيلي الرافض كليّاً لـ»حل الدولتين» الذي تعتبره أميركا والحلفاء الغربيين، أنّه الأفضل لإسرائيل.
المشهد العام الداخلي والخارجي لدولة الاحتلال العنصري الفاشي يزداد سواداً يوماً بعد آخر، فالأوضاع الداخلية تتجه نحو المزيد من التفسُّخ المجتمعي والمؤسّسي، والذي يصل إلى كلّ مؤسّسات الدولة والأهمّ الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية.
لقد ارتفع منسوب استخدام العنف ضدّ المحتجين على الانقلاب القضائي، بما يُؤشّر على الاقتراب من اتّساع دائرة الاحتراب واستخدام العنف والعنف المضاد.
على الصعيد الخارجي تزداد عزلة إسرائيل، وتظهر أكثر فأكثر طبيعتها العنصرية الفاشية. ومن دون أن نقع في أوهام تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة، لن يأتي في المنظور فإنّ هذا الوضع يشكّل فرصة تاريخية لا يحقّ للفلسطينيين إضاعتها، والتي يُفترض أن تكون القضية الأساسية المطروحة أمام اجتماع الأمناء العامين في القاهرة.
عن: جريدة "الأيام"