هل يقل قتل الإنسان عن حرق القرآن ؟؟ هو السؤال الجوهري الذي يجب أن نلقيه، ونتمسك به ونعلي من شأنه. فالقرآن هو الوسيلة العقائدية من أجل خدمة الإنسان ورقيه المعنوي الأخلاقي الإيماني بكل ما هو خير ومستقيم، فالقرآن وجد ونزل من أجل خدمة الإنسان، فالانسان هو الأساس، هو الهدف، هو الجوهر.
يحتج العراقيون على حرق القرآن، وهم محقون بذلك، ولكن أليس ما يتعرضون له من قتل وخراب وتجويع وعطش يستحق الاحتجاج على من يواصل خراب بلادهم، وسلب سيادتهم، والتطاول على حقوقهم المائية.
لقد جف العراق، بسبب قطع المياه عنه، وكنت اسمع برنامج عن شح المياه، والآثار التي خلفها قطع المياه المتدفقة وانهارها نحو العراق من قبل جيرانه، ولم يملك المتحدث شجاعة القول لتسمية جيران العراق الذين ارتكبوا جريمة قطع المياه وانهارها عن العراق.
الاسماك، الحيوانات الاليفة، المزارع، الاهوار، الأنهار جفت، ماتت، بسبب قطع تدفق المياه عن البلد الذي كان طوال التاريخ مهيوباً، قوياً، مسنوداً، مرفوع الرأس، بينما عراق اليوم رغم أنه يملك من الثروات النفطية ما يجعله ثرياً، ولكن الفساد والطغيان والأحزاب السياسية الاصولية المتسلطة المرتبطة بمن هم حاقدون على العراق وعلى تاريخه الوطني القومي الديني، تتحكم به بعض الأدوات المذهبية التي تدعي بما هو ليس لديها.
الاحتجاج على حرق القرآن مقبول ، مشروع لتوصيل رسالة، ولكن الا يحق للمحتجين أن يرفعوا أصواتهم الاحتجاجية على حرق العراق وشعبه لقطع المياه وتجفيف موارده، وبسبب ذلك تحول العراق إلى منطقة جفاف قاحلة، جعلت أرضه طاردة لأهلها وشعبها، بسبب الجفاف المتعمد، وشن حرب متواصلة عليه بدون إطلاق النار، بل عبر منع تدفق المياه الطبيعية المتواصلة إليه منذ آلاف السنين، وينفذها اليوم بقرار سياسي أمني مقصود.
سنة الجيران، مع شيعة الجيران، كلاهما يتفق على معاقبة العراق، معاقبة شعبه، سواء كانوا عربا أو كرد، سنة أو شيعة، من المسلمين او مسيحيين، فالمذاهب دوافعها سياسية، غطاء سياسي أمني، لأهداف غير نبيلة، تمس الآخر وتعاقبه، لإضعافه حتى لا تقوم له قائمة أو كرامة أو تطلع أو طموح.
الذين حرضوا على التمادي في الاحتجاجات على حرق القرآن، هم الذين يسكتون على حرق العراق بغرض العطش وسرقة حقوقه من المياه، وبدلاً من توجيه احتجاجات العراقيين على سرقة مياههم، يتوجهون إلى عدو وهمي : غبي ضيق الأفق، أو مرتبط مقصود يتمادى في تشويه المعطيات و"خربطة" الأولويات.
العراق للعراقيين، للعرب كما هو للكرد، للسنة كما هو للشيعة، للمسلمين كما هو للمسيحيين، وضرورة احترام الآخر، على أساس العدالة والمساواة والكرامة وتكافؤ الفرص، وفق نتائج صناديق الاقتراع، غير ذلك تشويه متعمد لواقع العراق وحقوق شعبه، بدون وصاية وتدخل استخباري، وارتباط مفروض غير شرعي، غير أخلاقي، يفتقد للحرية والكرامة وحسن الاختيار.
عن جريـــدة القــــدس