الكوفية: مع رفض الجانب الروسي تجديد اتفاقية تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، انتاب العالم القلق، وارتفعت أسعار الحبوب من قمح وذرة وأرز في الأسواق العالمية، وتوالت الاتهامات والتحذيرات من تعريض العالم لخطر غياب الأمن الغذائي وحتى خطر انتشار المجاعة والأمراض والخسائر، حيث هناك دول عديدة تعتمد في امنها الغذائي على استيراد الحبوب ونحن من ضمنها، ومعروف أن روسيا وأوكرانيا هما من اكبر مصدري الحبوب في العالم، وفي ظل هذه الصورة القاتمة لما هو آت، كانت هناك أخبار جيدة على صعيدنا، وحتى لو جاءت متأخرة، من خلال توقيع اتفاقية مع القطاع الخاص لإنشاء صوامع للحبوب وبالأخص القمح، تكون كافية لنا على الأقل لمدة ثلاثة أشهر لو انقطعت الإمدادات والاستيراد في ظل أزمات عالمية متوقعة.
ولم يتوقع الكثير من المختصين ومن غير المختصين، أن تصيب شظايا الحرب المستعرة بين أوكرانيا وروسيا من عام ونصف العام، عصب الأمن الغذائي للعديد من الدول، وخصوصا دولا عربية أو دولا في الشرق الأوسط، ولم يعرف الكثيرون من قبل بأن روسيا وأوكرانيا تصدران معا حوالي 30% من سلعة القمح إلى العالم سنويا، أي اكثر من 200 مليون طن، وأن معظم الدول العربية تستورد غالبية استهلاكها من الخبز الذي يأتي من الطحين وقبل ذلك من القمح من هاتين الدولتين، وأن دولة مثل مصر أو الجزائر تستورد حوالي 13 مليون طن من القمح سنويا، وأن فلسطين تستورد حوالي 90% من استهلاكها من القمح من الخارج.
وحسب المنظمات الدولية، وبالأخص منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، فإن تعريف الأمن الغذائي للناس، هو الحصول ما يكفيهم من الأغذية الجيدة، وذلك للتمتع بحياة ملؤها النشاط والصحة، وتضيف "الفاو"، إن "الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول من الناحيتين المادية والاقتصادية على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية"، ومن الواضح أن الملايين من البشر سوف يفتقدون ذلك، سواء بسبب تواصل الحرب في أوكرانيا وعدم وجود آفاق لتجديد اتفاقية تصدير الحبوب، من خلال عدم القدرة على الاستيراد من روسيا وأوكرانيا، أو تعويض الاستيراد من دول أخرى أو الإنتاج.
وعلى مستوى البلد أو الدولة، "فإن الأمن الغذائي يتحقق حين تنتج البلد كل احتياجاتها من الغذاء الأساسي أو يكون في استطاعتها الحصول عليه من الخارج تحت أي من ظروف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية أو إغلاق الحدود أو ما يحدث الآن من حروب. ومن هذا المنطلق كذلك، فإن هذا يعني أننا في فلسطين، لم ننتج كل احتياجاتنا من الغذاء، وبالأدق الأغذية الأساسية، أي القمح أو الخبز واللحوم والدواجن والخضراوات وما إلى ذلك من غذاء أساسي لا يستغني عنه الإنسان، أو أننا لم نستطع توفير احتياجات الغذاء الأساسية من الخارج بقوانا الذاتية، أي دون انتظار المساعدات أو المنح أو التبرعات من هنا وهناك.
وربما جاءت الأزمة الحالية للحرب في أوكرانيا وقبلها أزمة وبائية مثل انتشار جائحة "كورونا"، لكي تدق ناقوس الخطر القادم من أزمة مشابهة أو من أزمات أخرى، قد تؤدي إلى نقص الغذاء والفقر والمجاعة والوفيات بالملايين، وقبل الأزمة الحالية، كان العالم يتحدث بل يشاهد تداعيات التغير المناخي والاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض وقلة الأمطار وبالتالي التصحر، أي عدم القدرة على زراعة التربة بمحاصيل اعتاد الناس على زراعتها، سواء بسبب قلة الأمطار والمياه أو زيادة ملوحة التربة، أو الفيضانات نتيجة ذوبان الجليد وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات وغير ذلك، وما يحصل هذه الأيام في دول مثل العراق والمغرب وباكستان من جفاف وتصحر وفقدان الإنتاج الزراعي لهو من أخطر المؤشرات على ما سوف تخلفه التغيرات المناخية في العالم خلال الفترة القليلة القادمة.
وحسب بيانات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني وبالتعاون مع بعض منظمات الأمم المتحدة ومن ضمنها "الفاو"، اظهر مسح في بلادنا، الافتقار إلى الأمن الغذائي في فلسطين، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد أشارت النتائج إلى أن حوالي 33% من الأسر الفلسطينية تفتقر إلى الأمن الغذائي، أي لا تستطيع تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية التي تحتاجها الأسرة، حسب المعايير الدولية، وان هذه النسبة في ازدياد.
ولكي يتحقق الأمن الغذائي في بلادنا، يجب أن ننتج غذاءنا بإمكانياتنا وباستخدام مصادرنا المتوفرة، من ارض ومياه وبشر، أي أن نزرع وننتج، ومن أدوات وأجهزة ومصانع، أي نصنع المنتج الغذائي النهائي، والاهم من سياسات وخطط ومشاريع وبرامج وميزانيات وعقول وكوادر مدربة، تخطط وتتابع الإنتاج، والأهم أن نعمل على إرساء ثقافة الاستدامة في الإنتاج، وان لم نستطع أن ننتج غذاءنا الأساسي، فإننا من المفترض أن نكون قادرين على توفيره من الخارج ولفترة، وبمصادرنا الذاتية، وربما تساهم خطط إنشاء صوامع لتخزين الحبوب ولو لفترة قصيرة في هذا الاتجاه.