أحمد زكي: في هدوء كما رحل، تحل الذكرى الحادية والأربعون لاستشهاد شاعر المقاومة علي فودة، الذي ملأ الأرض طربا بكلماته التي شدى بها مارسيل خليفة، «إني اخترتك يا وطني».
ويمثل فودة الذي استشهد في العام ألف وتسعمئة واثنين وثمانين خلال حصار بيروت واحدا من الجيل الثاني ل«شعراء المقاومة».
بينما يوزع صحيفة «رصيف واحد وثمانين» التي كان يصدرها مع أصدقائه، أصيب في غارة لطيران الاحتلال الإسرائيلي، سقط على إثرها مضرجا في دمائه، وبينما تنهمر دماؤه وقودا لقناديل الحرية، كانت روحه تصعد رويدا رويدا، وعيناه شاخصتان كأنما سلطتا على شريط سينمائي يروي حكاية أسرته التي انتقلت في العام ثمانية وأربعين من مسقط رأسه بقرية قنير في حيفا إلى مخيم جنزور قرب جنين، وبعدها بعامين كان قد أتم الرابعة من عمره لينتقل مع أسرته ضمن أهالي المخيم الذين نزحوا إلى مخيم نور شمس في طولكرم.
وبينما لا تزال دماؤه تنهمر لتسقي الأرض التي طالما أنشد الشعر من أجلها كانت عيناه تستذكران صباه حين فقد أمه في عمر السابعة، ليتذوق مرارة اليتم الذي لم يحتمله فقرر الانتقال إلى عمان حيث حصل على شهادة المعلمين وبدأ العمل في التدريس هناك.
الدماء لا تزال تسيل، والروح تصعد في تؤدة وثبات، وزفراته تقلب في دفتر الذكرى، فيتصفح ديوانه الأول «فلسطيني كحد السيف»، الصادر عام تسعة وستين، ويتلو لآخر مرة « قصائد من عيون امرأة» بروح «الفلسطيني الطيب» وحماس «الغجري»، الذي يطارده «عواء الذئب».
وأخيرا أسلم الروح إلى بارئها ليوارى الجسد الثرى بينما بقيت أشعاره دستورا للمقاومة وعنوانا للصمود.