بينما تتواصل التهديدات فارغة المضمون التي تصدر عن كلّ جهات القرار السياسي والعسكري والأمني في إسرائيل، بأنّها جاهزة ومستعدّة لخوض حرب على "جبهاتٍ متعدّدة"، تدخل الولايات المتحدة بفعالية عالية لحماية ربيبتها التي تؤشّر أوضاعها الداخلية على عجزها وخوفها من مثل هذا الاحتمال.
"يديعوت أحرونوت" نشرت تحليلاً خطيراً بشأن ما ينتظر إسرائيل في حال نشوب حربٍ على "جبهاتٍ متعدّدة". بعض المصادر العسكرية تحدّثت عن سيناريوهاتٍ مرعبة حيث ستتعرّض إسرائيل إلى آلاف الصواريخ يومياً، وتعطّل الكهرباء والماء والمواصلات، والحركة فضلاً عن تعرّض الكثير من المؤسّسات والمنشآت الاقتصادية والعسكرية إلى الصواريخ الدقيقة، و"المُسيَّرات".
الكلّ في المنطقة يدرك أنّ مسألة الانفجار الموضعي أو الشامل مجرّد مسألة وقتٍ ليس أكثر، ولكنّ الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان بجدّية على استثمار ما يتوفّر من وقتٍ لمنع وقوع الانفجار الشامل "متعدّد الجبهات" أو إبطال وإضعاف بعضها.
معلوم أن الولايات المتحدة حرّكت قواتها الموجودة في العراق لقطع الطريق بين العراق وسورية، وإبعاد "الحشد الشعبي" والميليشيات الأخرى المحتمل انخراطها في معركة شاملة، إلى مسافة مئة إلى مئة وخمسين كيلومتراً عن الحدود.
هذا الإجراء من شأنه، أيضاً، أن يقطع طرق الإمداد عن قوّات "الحشد الشعبي" الموجودة في سورية، ولضمان تحييد دور هذه الميليشيات في أيّ اشتباكٍ واسعٍ قادم.
ولتحييد دور سورية، والجبهة السورية عموماً بما فيها من قوّات لـ "حزب الله" وإيران، فضلاً عن الجيش السوري، تحرّض الولايات المتحدة العشائر السورية في الشمال الشرقي، والتي دخلت في معركةٍ مع قوات النظام، بالإضافة إلى التحضيرات العسكرية الكبيرة للقوات الأميركية على جانبي الفرات في الشمال الشرقي والغربي.
وفي هذا السياق، أيضاً، لا يمكن أن تكون الاحتجاجات التي تندلع في محافظة السويداء، مجرّد صدفةٍ، وقد يتبعها تحريك المزيد من الاحتجاجات في محافظات أخرى، تطالب برحيل الرئيس الأسد وإسقاط النظام بدافع الضغط على نظامه وإشغاله باضطرابات ومعارك داخلية.
ولتحييد الساحة اللبنانية، و"حزب الله"، بعثت الإدارة الأميركية ممثلاً لها، لفحص إمكانية خفض التوتّر بين الحزب وإسرائيل.
التدخّل الأميركي في لبنان بهذا الخصوص، يستهدف إثارة صراعات داخلية من خلال محاولة اللعب على خطّ ترسيم الحدود البرية بعد ترسيم الحدود البحرية.
المحاولة تستهدف نزع ذرائع "حزب الله"، الذي يتمسّك بأنّ إسرائيل لا تزال تحتل أرضاً لبنانية، وبّما يعطي المعارضة اللبنانية ذريعةً للتحرُّش بـ "حزب الله" والتحريض عليه، باعتباره المسؤول عن جرّ لبنان إلى خرابٍ ودمارٍ فوق ما يُعانيه.
لا يتوقّف الأمر عند هذه الحدود، التي قد تبدو سياسية دبلوماسية .. فلقد أطلّ سمير جعجع زعيم "القوات اللبنانية" من جديد، حيث يحشد مقاتليه، ويتلقّى دعماً عسكرياً كبيراً من واشنطن.
يؤشّر التحرّك الأميركي في لبنان على احتمال عودة أجواء الحرب الأهلية من جديد، خصوصاً أنّ أحداث مخيم عين الحلوة التي لم تنته آثارها وأبعادها قد شكّلت أحد المداخل لتوتير الأوضاع في لبنان.
لا يتعلّق الأمر فقط بإشغال "حزب الله"، وإنّما يمتدّ لإشعال فتنةٍ لبنانية فلسطينية، تعرقل أيّ مساهمةٍ عسكرية للفصائل الفلسطينية من لبنان.
"جبهة غزّة" تتعرّض لتدخُّلات وضغوط من الإقليم، تتوازى مع ضغوط إسرائيلية، عَبر تشديد الحصار، وإثارة الصيّادين والمزارعين، والتجّار ضدّ حركة حماس، وللضغط على كلّ فصائل المقاومة.
ليس لدى إسرائيل الكثير الذي يمكن أن تفعله على هذا الصعيد، ولكنها بعد أن جمّدت إصدار المزيد من تصاريح العمل، أعلنت، يوم الاثنين المنصرم، عن وقف تصدير البضائع من قطاع غزة إلى الضفة الغربية وإسرائيل.
البضائع التي يصدّرها القطاع تشمل في الأساس الأسماك، والملابس، والزهور والتوت الأرضي.
غرفة التجارة والصناعة في غزّة قدّرت خسائر القطاع بسبب وقف التصدير بثلاثة ملايين دولار شهرياً، منها ما يزيد على مليون دولار هي خسائر قطاع الثروة السمكية.
في أراضي العام 1948، يتعرّض المجتمع العربي لكلّ أشكال التمييز العنصري، وحجب المخصّصات عن الإدارات المحلية، وتغذية ظواهر الجريمة والعنف الداخلي، وتفكيك البنية المجتمعية.
بعض المصادر كشفت عن أنّ دولة الاحتلال ضخّت في المجتمع العربي نحو أربعمائة وخمسين ألف قطعة سلاح، ما أدّى إلى سقوط أكثر من مئة وسبعين مواطناً منذ بداية هذا العام، بينما تمتنع شرطتها عن التدخُّل.
هذه الجبهة ساخنة جدّاً، وقد تشهد اندلاع مواجهات مع الاحتلال، خصوصاً في حال نشوب حربٍ على "جبهات متعدّدة"، وحيث يتذكّر الجميع دور هذه الجبهة إبّان "سيف القدس" العام 2019.
بقيت "جبهة الضفّة والقدس" مفتوحة على كلّ أشكال العدوان والقتل، حيث إنّها تحظى بأولوية التركيز بالنسبة للحكومة العنصرية الفاشية، التي تعمل على خطّ حسم الصراع في أقرب وقتٍ ممكن.
والسؤال، هل ستحظى الإدارة الأميركية أساساً وإسرائيل بالوقت الكافي لتفكيك هذه الجبهات وإشغالها في صراعاتٍ داخلية، أم إن طريقة تعامل المستوطنين مع الأعياد اليهودية منتصف هذا الشهر، قد تشعل الفتيل؟