- مراسلنا: غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف بلدة عبسان الجديدة شرقي خان يونس
تتسارع الأحداث في دولة إسرائيل وتتعمق الأزمة بشكل يوحي بأن الحلول الوسطية بين الأطراف أصبحت غير ممكنة رغم كل الضغوطات بهذا الخصوص خاصة الأمريكية واليهودية العالمية، ومع إقتراب جلسة محكمة العدل العليا الإسرائيلية في النصف الثاني من شهر "سبتمبر" الحالي وتداعيات قرار إلغاء تشريع قانون "عدم المعقولية" الذي أقرته الكنيست الحالية عِبر أعضاء الإئتلاف الحكومي فقط مع تَغيْب المعارضة جميعها عن تلك الجلسة، يرتفع حجم التوتر وتزداد الفجوة بين الأطراف لتصل إلى نقطة لا لقاء فيها مما سيؤثر بشكل كبير على الدولة وسيؤدي لأزمة دستورية غير معروف إلى أين ستصل الأمور بعدها، إذا أخذنا بعين الإعتبار أن مؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية والجهاز الإداري "الدولة العميقة" سوف تلتزم بقرار المحكمة بعكس الإئتلاف الحاكم والذي على ما يبدو سوف يبدأ فوراً بتشريع قانون "التَغلّب" لكي يُقصي "محكمة العدل العليا" ليس فقط في بند "المعقولية" وإنما بكل ما يتعلق بالقوانين والتشريعات، بحيث تستطيع الكنيست الإسرائيلي وعبر أغلبية "61" عضو كنيست من تجاوز أي قرار لهذه المحكمة عبر تشريع قانون "أساس".
"نتنياهو" يعي جيدا طبيعة الأزمة القائمة وحاول عبر الرئيس "هيرتسوغ" الوصول إلى حلول وسط تؤدي للتخفيف من بند "المعقولية" عبر تشريع جديد بحيث تتحدد طبيعته وطريقة إستخدام "المحكمة العليا" له، ويتم تجميد ما يُعرف ب "الإصلاح القضائي" لمدة سنة ونصف، والتوافق على لجنة "إختيار القضاة" وعقد إجتماع لها، وإعتماد عدد معقول ومقبول لتشريع القوانين "الأساس" وليس بأغلبية بسيطة، وقد راهن "نتنياهو" على قبول "غانتس" لتلك الخطة وسبقه في خطاب عاطفي يدعوه فيه للحوار والإتفاق على تلك الحلول الوسط، لكن "غانتس" الذي يُعتبر الآن أبرز قيادات المعارضة رد بالتمسك بمطالب "حركة الإحتجاج" وعبر بوضوح عن عدم ثقته ب "نتنياهو" وبمجمل الإئتلاف الحكومي والذي أسماهم "الأقلية" التي تحاول أن تفرض مفاهيمها على "الأغلبية".
منذ أن تشكلت حكومة "اليمين الجديد" المتطرف برئاسة "نتنياهو" تتعمق الأزمة الداخلية في دولة الكيان الصهيوني وتعكس نفسها بشكل كبير على كافة المجالات، بل لأول مرة تعيش دولة "إسرائيل" أزمة تعصف فيها سياسيا وأمنيا وإقتصاديا وفي علاقاتها الدولية خاصة مع الحليف الإستراتيجي "الولايات المتحدة الأمريكية"، ورغم كل المظاهر التي تبدو وكأن هذه الدولة لا زالت تُحاكي ظروفها بطريقة تُوحي بتماسكها إلا أن واقع الأمر وجوهره يعكس حقيقة مختلفة أساسها الإنقسام الأفقي والعمودي ليس في الدولة فحسب وإنما في داخل المجتمع اليهودي وفي طليعته النخب الصهيونية التي أسست هذه الدولة على أنقاض الشعب الفلسطيني ووصل الأمر إلى "جيش" الشعب وما يعنيه ذلك لدولة تتصف بأنها أمنية بإمتياز، وبما سيعزز فرضية الصدام الذي أصبح لا محالة قادم إذا ما ألغت محكمة العدل العليا تشريع "عدم المعقولية" ورد عليه الإئتلاف الحاكم بتشريع عاجل لِ "التغلب".
"نتنياهو" أصبح جريحاً لا قُدرة له على إجتراع الحلول، فهو بين ناري "إئتلافه" ونار الأزمة "الدستورية" المتوقع حدوثها نتيجة للقرار الذي يَعتقد الجميع أن "محكمة العدل العليا" سوف تأخذه حينما تنظر بعد أسبوع في تشريع قانون "عدم المعقولية" يرافقه حركة "الإحتجاج" التي تَجذرّت وتعاظمت لدرجة أن "غانتس" أصبح أكثر جذرية في مواقفة خوفاً من ردة فعل الشارع، وخطابه بالأمس عَبّر بوضوح عن فهم مستقبلي لشخصه وحزبه ونضوج في كيفية مواجهة دهاء "نتنياهو" الذي كان يبحث عن كسبٍ للوقت وتحقيق الحدود الدنيا عبر جلب بعضاً من المعارضة لمفهوم "الإصلاح القضائي".
فشلْ الجريح "نتنياهو" في إحداث شرخ في المعارضة وتحت يافطة الحلول الوسط للرئيس "هيرتسوغ"، وإرتفاع حدة التوتر لديه من الدخول في أزمة "دستورية" نتيجة قرار محكمة العدل العليا المتوقع، قد يؤدي به للهروب إلى الأمام بخطوات حمقاء غير محسوبة اساسها إفتعال قضية أمنية ك "عملية إغتيال" مثلاً تنقل الصراع الداخلي إلى حرب خارجية محدودة وفي محاولة منه لكسب الوقت لعلّ وعسى يصل لتوافقات أو لإتخاذ قرارات من جانب واحد تُبرر وقف كل عملية "الإصلاح القضائي" وتمنع حدوث أزمة دستورية، وهو بذلك يريد أن يستبق قرار "محكمة العدل العليا" المتوقع، بحيث لا تكون عليه ردة فعل من قبل "الإئتلاف" بذهابه إلى تشريع قانون "التغلّب".
أعتقد إذا قام الملك "نتنياهو" بهذه الخطوة "وقف عملية الإصلاخ القضائي والإلتزام بقرار محكمة العدل العليا"، فهو يكون قد عقد العزم على تغيير طبيعة الإئتلاف الذي يقوده بحيث يبدأ في خطوات مع "غانتس" لتشكيل حكومة جديدة عنوانها الأساسي "التطبيع" مع "المملكة العربية السعودية"، والفرعي تشكيل لجنة للبحث عن توافقات تتعلق بما يسمى "الإصلاح القضائي" وجوهرها سيكون صفقة تؤدي لإستقالته لاحقا وعدم محاكمته عبر إقراره ب "الذنب"، أما إذا ما أصر "نتنياهو" الجريح على مواقف "ليفين" و "روثمان" ومعهم "سموتريتش" و "بن غفير" فواضح أنه يراهن على حرب طاحنة ليس في الداخل "الإسرائيلي" فحسب، وإنما في المنطقة ككل، لأن هذه الحكومة التي شكلها، ليست "يمين جديد" متطرف فقط، بل حكومة تغيير شامل لطبيعة وهوية الدولة اليهودية ولينتقل مركزها الحقيقي من "تل أبيب" العلمانية إلى "القدس" المحافظة الأرثوذكسية وبما يشمل "الضفة الغربية"، أي سيطرة ما يُسمونه "توراتيا" "يهودا والسامرة" على مجمل "الهوية" اليهودية للدولة، وهذا سيعكس نفسه أمنيا بشكل سريع، لأن حركة "الإستيطان" و التوجه المُخطط لِ "الأماكن المقدسة" ومفهوم "الحسم" "السموريتشي" هو وصفة للحرب الكبرى القادمة في المنطقة.
بين "نتنياهو" الجريح، و "نتنياهو" الملك شعرة تتأكل بسرعة الصواريخ "فرط" الصوتية "الروسية"، وستتحدد ملامحمها في هذا الشهر، والذي أراه أكثر سخونة لدرجة وصوله للغليان...النقطة الحرجة قادمة وقريباً، والخيارات أصبحت صفرية ولا مجال للتأجيل، وسوف نرى خلال الأيام القادمة قرارات تعكس عقلية "نتنياهو" إن كان "جريحاً" أو "ملكاً".