السادس عشر أيلول واحدٍ و اربعون عاما تكون قد مضت على مجزرة صبرا وشاتيلا ، ما زالت محفورة في الذاكرة تمزق وقائعها التي عشت دقائقها نياط القلب ما زالت مقدماتها حاضرة ايما يممت، دبابات العدو الاسرائيلي وطائراته قذائفه وصواريخه التي تعطر كالمطر تحول الواح الصفيح الى شظايا تمزق الاجساد الغضة ، قذائف الانارة وازيز الطائرات وهدير الدبابات وكواتم الصوت وبلطات المجرمين سكاكينهم و سواطيرهم المشحوذة تجز الرقاب وتبقر البطون ، زجاجات الخمر المتناثرة على طاولات القتلة الجنازير والحبال الملتفة على رقاب واجساد الشهداء، ما تبقى من صرخات الاطفال وانين الجرحى الواقفون على حافة الموت ، رؤس الاطفال واطرافهم المقطوعة تسبح في بركة دماء ، الفتيات بعمر الورود المذبوحات بوحشية وسادية العصر وأكوام الشهداء الشهداء الذي قضوا ، وبضعة شبان أبطال لم استبسلوا حتى لا تكون المجزرة أفضع وأوسع ، مشاهد ما زالت تسكن في اعماق الذاكرة وتحتل سويداء القلب ، في هذه الذكرى الأليمة لا يصلح الا قول "لن ننسى ولن نغفر" ... فهناك كنت شاباً في ازقة ذاك المخيم ، وهناك أيضاً رحل احبة واصدقاء شجعان بادينكم نسيان مآثرهم . لن أنسى تلك اللحظات المحفورة في ذاكرتي ما حبيت انها ثلاث أيام بلياليها قاسية صعبة ومرة فيها شربت الارض الدماء حتى ارتوت ولا ابلغ بالقول ان الدماء غدت بركة تعوم فيها اطراف الاطفال الغصة في احد المنازل ،، الدم اختلط بالماء اعضاء الاجساد البشرية اختلط ببعضها البعض.
اليوم السادس عشر من ايلول قبل 41 عاماً ومع ساعات غروب يوم خميس وعلى امتداد ثلاثة أيام طوال وطوال جداً ، وقعت مذبحة العصر -مجزرة صبرا وشاتيلا- مقدماتها مؤلمة ووقائعها اكثر ايلاماً أما احداثها الدامية فما مازلت منقوشة على جدار القلب لا تمحى ، تسكن ثنايا الضلوع محفورة في ملفات الذاكرة تستحضر الدمع المتحجر في المُقل كما تستحضر لحظات الغضب المتطاير كاللهب ، يومها قبل واحد واربعين عاماً كانت دبابات العدو الاسرائيلي التي اقتحمت بيروت بعد رحيل الثورة الفلسطينية ،، تصب حمم قذائف مدافعها وصواريخها على بيوت المخيمين المتهالكة ، القناصون الصهاينة متمركزون على اسطح العمارات العالية في دوار السفارة الكويتية، ابطال القوات المشتركة الذين عزموا على القاء في بيروت يقاومون التقدم الذي بدأه جيش الاحتلال الغازي ، ازيز الرصاص الثامن من كواتم الصوت يبدأ في ساعات المجزرة الاولى يحصد الرؤوس دون ضجيج او صخب وبلطات المجرمين سواطيرهم وخناجرهم تبقر البطون تحت وابل من قذائف الانارة التي غطى بها جيش الاحتلال سماء المخيمين، زجاجات الخمر تتناثر على طاولات القتلة قرب ملجأ ال مقداد في منطقة الحرش ،، الجنازير والحبال التي التفت على عجل حول مجموعات من الناس الذين اطلق الرصاص على رؤوسهم دون رحمة ،وجثث الشهداء تختلط مع إطارات السيارات على مدخل المخيم قرب حاجز اجنادين على مدخل المخيم ، وصرخات من تبقى من الاطفال وانين الجرحى الواقفون على حافة الموت قبل ان تحلق ارواحهم لتصل عنان السماء ،
رؤوس الاطفال واطرافهم المقطوعة وملقاة في برك من الدم خلف دكان الدوخي ، والفتيات بعمر الورود المقتولات بوحشية وسادية العصر، وأكوام من الشهداء
قضوا برصاص القتلة يتم نقلهم وتجميعهم في خنادق طويلة بطول الألم وعميقة بعمق الجرح والالم ، وتراب ينهال على عجل لطمس معالم الجريمة في مقبرة جماعية ضمن ما يزيد عن ٣٥٠٠ شهيد ، في خضم هذه الاثناء الملتهبة بضعة من الشباب الذين لم تتجاوز اعمارهم العشرينات واعدادهم العشرات قاتلوا من زقاق لزقاق استبسلوا عن جد عن جد حتى نفذ الرصاص قاتلوا بشجاعة الرجال حتى لا تكون المجزرة أفضع وأوسع واطول ، كلها مشاهد ما زالت حاضرة تسكن اعماق الذاكرة لن تمسحها السنين الطوال ، فكيف يمكن للمرء ان ينسى لحظات موته المؤكد ونجاته بالصدفة في آن .
لمثل الذكرى لا يمكن النسيان ولهذه المجرة لا يمكن الغفران ... فهناك هناك كنت شاباً وهناك بين الازقة رحل احبة واصدقاء شجعان وتراب شاتيلا يحتضن العديد منهم . لن أنسى تلك اللحظات ما حبيت انها ثلاث أيام قاسية وصعبة ومُرةٌ أيضاً، فيها شربت الارض الدماء حتى ارتوت .
عن جريدة القدس