من حقنا، بل من واجبنا أن نقف هذه الأيام تحديدا، احتراما لشخصية سياسية كويتية مرموقة حقا، هو السيد مرزوق علي الغانم، الرئيس السابق لمجلس الأمة الكويتي. من حقنا لأنه منا ونحن منه، هو من معسكرنا، معسكر الحق والعدل في وجه معسكر الطغيان والباطل، ومن واجبنا، لأن هذا الرجل تميز بمواقف تسامت على كل الجراح، لم ينبش ماض مؤلم ولم يتنكر للشعب الفلسطيني، بل تبنى قضيته من موقعه الرسمي في جميع المحافل الدولية، والبرلمانية على وجه الخصوص.
يدفعني لهذا القول ما جاد به مؤخرا الاعلامي الكويتي المعروف أحمد الجار الله رئيس تحرير جريدة عرب تايمز وجريدة السياسة الكويتية ، في رسالة مطولة وجهها مؤخرا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقول له فيها : " سمو الأمير محمد بن سلمان اعقلها وتوكَّل ، نعم اعقلها وتوكَّل " ، فالقضية الفلسطينية لم تعد ملفا عربيا بعد توقيع اتفاقيات اوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل ، بل أصبحت شأنا إسرائيليا – فلسطينيا ، فضلا عن أن شعوب مجلس التعاون الخليجي لم تعد تقبل تقديم مصالح الفلسطينيين على شؤونها ومصالحها ولم تعد معنية أبدا بما يحدث في غزة والضفة الغربية ، لأنه أصبح مصدر استثمار سياسي لمن يدفع أكثر ولعبة ايرانية – إسرائيلية بأيد فلسطينية.
في رسالته تلك يكاد السيد الجار الله يعزو فشل مشاريع التنمية في المنطقة العربية، لانشغال بلدانها وشعوبها وحكامها بفلسطين والفلسطينيين والتحرير ويرفع من شأن الرئيس المصري السابق أنور السادات، الذي أدار ظهره للفلسطينيين وكرس همه لبلاده. تحميل الفلسطينيين ما لا طاقة لهم به، أمر غير عادي، وعلى كل حال لم تعد فوهات المدافع منذ العام 1973 موجهة في الاتجاه، الذي يعطل جهود ومشاريع التنمية في البلدان العربية، فقد اختلفت زاوية الرمي، ولم تنطلق مشاريع التنمية، التي أثقلها الانشغال في الهم الفلسطيني.
ربما يعتقد السيد الجار الله، أن التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي سوف يضع المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة وشرق أوسط جديد، على اعتبار كثرة الشواهد على أن العلاقة مع إسرائيل تجلب الرخاء وتعود بالمنفعة المتبادلة. ساذج من يعتقد أن العلاقة مع دولة الاحتلال تفتح الأبواب أمام الرخاء والمنفعة المتبادلة، أو توفر له شيئا من الأمن والاستقرار، الذي لا غنى عنه من أجل دفع عجلة التنمية إلى أمام. إسرائيل هنا لن ترفع لأحد الكستناء من النار، هذا ليس شأنها وليس في تاريخ علاقتها مع الكثير من دول العالم النامي ما يشير إلى ذلك. عكس ذلك هو الصحيح تماما، يكفي ان نذكر في هذا السياق بالموقف الإسرائيلي من مشروع الطاقة النووية السعودي، حيث تمسك حكومة إسرائيل الرئيس جو بايدن من رقبته من خلال الكونغرس الأميركي وتضع فيتو على المشروع السعودي، بحجة احتمال استخدام العربية السعودية المشروع لأهداف عسكرية تخل بالتوازنات القائمة في المنطقة. وهو موقف تتشارك فيه أحزاب الائتلاف الحاكم مع أحزاب المعارضة الصهيونية دون استثناء.
لست هنا في وارد الرد على السيد أحمد الجار الله بكل التفاصيل المملة، التي وردت في رسالته إلى الأمير محمد بن سلمان، بل أذهب إلى خاتمة الرسالة، حيث يقول بلغة لا تخلو من التحريض غير المألوف وغير المسبوق على الشعب الفلسطيني.
فالسيد الجار الله يدعو الأمير للاستماع "إلى خطباء الجمعة في غزة والضفة الغربية، والشتائم التي تكال فيها إلى آل سعود، ووالدك، وإليك شخصياً، وإلى كل شعوب الخليج "، ليختم رسالته بالقول إن "إسرائيل لم ترتكب عشرة في المئة من الجرائم التي ارتكبتها المنظمات الفلسطينية ضدنا، لهذا نقول باسم معظم شعوب الخليج العربية: " اعقلها وتوكَّل. " . مهلا سيد جار الله، لا تقحم شعوب الخليج في شأنك أنت وحدك، فالصورة عندنا هنا في فلسطين عن أشقائنا في دول الخليج غير الصورة، يكفي ان نذكرك باستطلاع للرأي نشره " معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى " في تموز من العام الماضي، حيث أيّد اتفاقيات التطبيع في البحرين 25% وعارضها 71%، في حين أيدها 20% مقابل 76% من المعارضين في الإمارات، أما في المملكة العربية السعودية فقد أيدها 19% وعارضها 75%. لقد طبع من طبع، وباع الفلسطينيين أوهاما كثيرة، فماذا كانت النتيجة: المزيد من الجرائم، ضم زاحف وحكومة من الفاشيين والنازيين الجدد في إسرائيل.
كلمة أخيرة للسيد الجار الله، لا تقحم المصلين في مساجد فلسطين في شأن هم أبعد ما يكونون عنه، واعلم أن " اعقلها وتوكل " يا سيدي هو قول رسول كريم، لا يصح أن يقال في غير أوانه وزمانه وفي غير مكانه.